اجتماعيةمقالات

جمعية الادخار والتعاون بين الموظفين برواتبهم

د.فضل مراد

المقرر العام للجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

سئلت كثيرا عن جمعية الموظفين وقد افتيت بالجواز قبل عشر سنين
وبينت ذلك في
«المقدمة في فقه العصر» (1/ 74): وسأبين
طرفا من ذلك مع زيادات …
للموظفين وغيرهم إنشاء جمعية شخصية يتعاونون من خلالها على الادخار بجمع جزء متساو من رواتبهم ويسلم المبلغ كاملا لأحد المشتركين معهم شهريا حتى يدور ذلك على الكل.

وهو عقد إرفاق مشمول بعموم (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: 2)، وبعموم (هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلَاّ الإِحْسَانُ) (الرحمن: 60)، فالكل محسن ويقابل بمثل إحسانه.
وتخريجه الشرعي أنه عقد قرض معين من متعددين معينين بأجل معين لكل فرد منهم بتاريخ مستقل، فهذا تعريفُ أوَّلِهم قبضا.

وأما آخرهم قبضا فهي له جباية قرض آجل معين من معينين في أجل واحد وأما ما بين الأول والآخر فهو عقد قرض معين آجل أقرضه لآخرين واقترضه من آخرين معينين يَقْبضه منهم ويُقْبضه في أجل معين لكل شخص.
ومن منعه بعلة أنه قرض جر نفعا فلم يصب؛ لأن الحديث في ذلك ساقط ولا يصح كقاعدة فقهية كذلك.

وعلى فرض التسليم بالاحتجاج به أو بالقاعدة فنقول بعدم صوابية ذلك؛ لأن عموم الحديث مخصوص قطعا لجواز قبول الهدية بلا شرط وهذا جر نفعا.
ولأن صور التجارات بالدين جائزة في الأصل مع جرها نفعا تجاريا قطعيا ولهذا جاز السلم وهو يؤل إلى دين في ذمة المسلم إليه
وكذا من يداين الناس في السلع التجارية بآجل مع زيادة ثمن يفيد ويستفيد، وقد جر نفعا، وهو مباح؛ لأن الأصل حل التجارات.

فلا بد أن يؤول الحديث أنه قرض إحسان وإرفاق شرط معه ربحٌ زائدٌ على أصله، وإلا لزم بعمومه إبطال معلومات الجواز من الأدلة وهي كثيرة، لأنه ما من إقراض تجاري إلا وله نفع ولأن قرض الإرفاق يجوز معه الزيادة والهدية بلا شرط

ولأن المسألة في المعاملات أصلها على الإباحة، فإن جاء معارض ناقل عارضه أصل مبق على الأصل زائد على مجرد الإباحة كما هنا، قدم: لأن المبقي على الأصل أولى حتى يقطع بما يزحزحه عن يقين الإباحة الأصلية وعواضدها.
وهاهنا تعارض أصل الإباحة الأصلية مع ناقل وهو: أي قرض جر نفعا؛ فضعف الناقل لكثرة استثناءاته، وعضد الأصل بأصول الأمر بالتعاون والإحسان.
وبقي النص الناقل لحالة متيقنة واحدة لا ترد هنا، وهي القرض مع شرط رده وربح زائد عليه.
فهذا هو اليقين من تأويلاته وغيرها ضعيفة.
وهذا التأويل اليقيني لا يرد هنا في مسألة جمعية الموظفين
ولهذا قال ابن حزم «المحلى بالآثار» (6/ 361):
«وأما قولهم إنه سلف جر منفعة، فكان ماذا؟ أين وجدوا النهي عن سلف جر منفعة؟ فليعلموا الآن أنه ليس في العالم سلف إلا وهو يجر منفعة وذلك انتفاع المسلف بتضمين ماله، فيكون مضمونا – تلف أو لم يتلف – مع شكر المستقرض إياه، وانتفاع المستقرض بمال غيره مدة ما، فعلى قولهم كل سلف فهو حرام، وفي هذا ما فيه – وبالله تعالى التوفيق» انتهى كلامه

قلت:
ولا تدخل هذه الجمعية في صورة أسلفني وأسلفك التي منعها المالكية والحنابلة
والفارق أن أسلفني واسلفك
صورته أن يشرط عليه أن يسلفه ألفا ثم يرده وبعد أن يرده إليه يكون عليه أن يسلفه في المستقبل
فالسلف هنا كان زيادة على رد القرض
أما جمعية الموظفين فليس فيه إلا رد القرض لا اشتراط إقراض بعد السداد
وهذا هو ما نص عليه ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (من أسلف سلفا فلا يشترط إلا قضاءه)
ولو شرط في الجمعية أن ينتهوا من الجمعية ويدخلوا في دورة ثانية أو أكثر
فلا أرى مانعا وإن كان القول بشبهها بأسلفني أسلفك أقوى
لأن ما بني عليه أسلفني وأسلفك هو ما سبق من الحديث الواهي
كما أن حديث نهى عن سلف وبيع فيه خلاف شديد في صحته لكن لو سلم صحته فاشتراط البيع مع القرض يدخله الظلم غالبا.

أما اشتراط الدخول في دورة جديدة فأي ظلم فيه
بل هو إقراض جديد وسداد جديد للجميع فلا ظلم فيه على أحد.
ومن القواعد المقاصدية أن أي أمر فيه منفعة بلا ضرر فالشريعة لا تحرمه

والمنافع المتعلقة بالقروض أنواع
ما عاد النفع فيه إلى المقترض فهذا جائز بإجماع
وما عاد النفع فيه إلى المقرض وكان شرطا أو في قوة الشرط أما ما لم يكن شرطا فيجوز ولهذا يجوز رد القرض وزيادة أو هدية بدون شرط سابق ولا ملحوظ ولا متعارف عليه
وما عاد فيه النفع إليهما بالعدل فأي نص أو معنى شرعي يمنعه
ومن ادعى ذلك أتى بواضح حجة ولذلك جاء عن الصحابة جواز السفتجة وهي أن يقرضه مالا ليسلم له مثله في بلد آخر
ومنع بعضهم ذلك
وجاز عند بعض الفقهاء إقراض مال اليتيم حال السلب والنهب وهذه منفعة للمقرض وللمقترض
ولأن الاجماع انعقد على تحريم الزيادة المشترطة وهذه الجمعية ليس فيها زيادة مشترطة بل هو سداد لقرض سابق بدون أي زيادة
ولهذا علل الفقهاء منع الزيادة المشروطة
بعلة أنها عوض مشروط لا يقابله شيء فكان ربا وظلما
وهذا ليس حاصلا في هذه الجمعية فإنه مجرد السداد منفعة مستحقة
ولا زيادة فيها.
ولهذا نص فقهاء الشافعية على جوازها صراحة
«حاشيتا قليوبي وعميرة» (2/ 321):
«فَرْعٌ: ‌الْجُمُعَةُ ‌الْمَشْهُورَةُ ‌بَيْنَ ‌النِّسَاءِ بِأَنْ تَأْخُذَ امْرَأَةٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُنَّ قَدْرًا مُعَيَّنًا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ وَتَدْفَعُهُ لِوَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ، إلَى آخِرِهِنَّ جَائِزَةٌ كَمَا قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ»

وبما قلنا وأفتينا من جواز جميعة الموظفين أفتت هيئة كبار العلماء ودار الإفتاء المصرية
ففي قرار هيئة كبار العلماء رقم 164 في تاريخ 26/ 2/1410 هـ«جرت مداولات ومناقشات لم يظهر للمجلس بعدها بالأكثرية ما يمنع هذا النوع من التعامل؛ لأن المنفعة التي تحصل للمقرض، لا تنقص المقترض شيئًا من ماله، وإنما يحصل المقترض على منفعة مساوية لها؛ ولأن فيه مصلحة لهم جميعًا من غير ضرر على واحد منهم، أو زيادة نفع لآخر. والشرع المطهر لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها على أحد بل ورد بمشروعيتها»

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى