عاممقالات الرأي

جواز كتابة اسم الميت على القبر وبيان شذوذ زيادة وأن يكتب عليها…

د. مراد فضل

رأيت من أنكر على ما صنعه البعض من محبي المحدث الحويني من كتابة اسمه على القبر

وتاريخ وفاته فاحمرت أنوف أقوام مشددين النكير مدعين البدعية .

وكنت قد حررت المسألة في كتابي خارطة النظر الفقهي أعان الله على طباعته وكمال تجهيزه.

وحاصل ذلك أذكره هنا فأقول:

ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وضع حجرا ليكون علامة على قبر ابن مضعون “أتَعَلَّمُ بها قبرَ أخي، وأدفِنُ إليه من مات مِن أهلِي”».[1]

وهذه علة منصوصة تدل على أن ما يكون به التعليم مشروع أو مباح إلا ما خصه الدليل بالمنع.

ومما يتعلم به أن يكتب اسم المتوفى وتاريخ وفاته بلا غلو.

فهذه الصورة تشملها العلة في الحديث.

و النهي عن الكتابة على القبر لو ثبتت لكانت نصا في محل النزاع، لكن الصحيح أنها شاذة لذلك تحاشاها مسلم، فقال في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر قال: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجصص القبر، وأن ‌يقعد ‌عليه، وأن يبنى عليه»[2].

وزادها الترمذي وقال النسائي «زاد سليمان بن موسى: أو يُكتَبَ عليه»[3] انتهى، وهي إشارة منه إلى التضعيف؛ لأن سليمان ضعيف ولم يسمع من جابر[4]، كما أن الرواة الأثبات عن ابن جريج لم يذكروها فتبين أنها شاذة.

ولعل الألباني لم يطلع على العلة فادعى تصحيح الزيادة ثم وقفت بعد هذا على تراجعه عن هذا التصحيح فليتنبه.

لهذا فيجوز الكتابة على القبر ليكون علامة لصاحب قياساً على ذلك ، وهذا هو قول الحنفية قال ابن عابدين«قوله لا بأس بالكتابة إلخ) لأن النهي عنها ‌وإن ‌صح ‌فقد ‌وجد ‌الإجماع ‌العملي ‌بها».

وتحصيل الأقوال فيها :

1_ الجواز وهو قول الحنفية وابن حزم وهو قول دار الإفتاء المصرية إن أمنت الفتنة وكان هناك داع لكتابة اسم الميت وتاريخ وفاته بدون مغالاة وهو قول ابن سعدي وابن عثيمين والألباني وهو ما أفتي به.[5]

2_ الكراهة مطلقا عند المالكية والشافعية والحنابلة.

3_ التحريم وهو قول الشوكاني [6] وتبعته اللجنة الدائمة. وفيه بعد.

والصحيح هو القول الأول وقد نقل الحاكم أن عليه عمل الأمة بلا نكير وتعقبه الذهبي.

وتعقبه ليس على إطلاقه.

ومحل الجواز مقيد بما يحتاج فيه إلى تعليم القبر حتى يزار لا ما فيه بناء وتجصيص ورفع ونحو ذلك فهي محل النهي الصريح والأصل فيه التحريم.

والمنهي الصريح هو ما شاع كثيرا فتجد رفع بناء القبور والقباب عليها وكتابة آيات القرآن

وزخرفتها وكل هذا مما يشمله النهي صراحة أو معنى

وكتابة القرآن قد أفتى الأذرعي بأنها محرمة على القبور لأنها تؤول إلى امتهانها وتنجيسها.

و قال عليش المالكي في منح الجليل عند كلامه على الكتابة على القبر: وينبغي حرمة نقش القرآن وأسماء الله تعالى مطلقا لتأديته إلى الامتهان، وكذا نقشها على الحيطان. اهـ

 

وجاء في حاشية الدسوقي: وينبغي الحرمة لأنه يؤدي إلى امتهانه، ومثله نقش القرآن وأسماء الله تعالى على الجدران. وقال الأذرعي الشافعي: والقياس الظاهر تحريم كتابة القرآن سواء في ذلك جميع جوانبه أي جوانب القبر لما فيه من تعريضه للأذى بالدوس والنجاسة… انتهى

قلت: ومحل القياس هو ما حقق العلة وهي وضع ذلك بما يحقق الغرض والمقصد من معرفة صاحب القبر فقط.

والحاصل أن كتابة اسم الميت وتاريخ وفاته بهذا القدر لا أرى مانعا منه

وفاقا للحنفية وابن حزم ومن تبعهم كدار الإفتاء المصرية وابن عثيمين وشيخه وغيرهم.
وإن صحت اللفظة فهذا من تخصيص العموم بالقياس
وهو جائز وعليه مذهب الجمهور.
وليس من معارضة النص للقياس
فبينهما فرق معلوم في كتب الأصول
وقد بينته مع تتبع في فروعه في كتابي المذكور.

والله تعالى أعلم

أ.د. فضل مراد
أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة ج قطر
أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى