حرب الفتن الرقمية: الإعلام المأجور ودوره في تمزيق سوريا

أ.خليل البطران
تمهيد: الحرب لم تنتهِ بعد
في زمنٍ لم تعد فيه الحرب مجرد قذائف، بل كلمات، تحولت بعض المنصات الإعلامية – لا سيما على “إكس”، و”تيك توك”، و”فيسبوك” – إلى أدوات خطيرة لتفتيت النسيج الوطني السوري. تُدار هذه المنابر من خارج البلاد، ويقف خلفها أشخاص يدّعون الدفاع عن الحرية والعدالة، لكنهم في واقع الأمر يعملون على بث الكراهية، وتأجيج الفتن الطائفية، وتشويه الحقائق. أبرز هؤلاء: سمير متيني، إبراهيم كابان، وغيرهم من الذين باتوا يُعرفون كأبواق إعلامية مأجورة مموّلة من جهات انفصالية ومصالح خارجية، وعلى رأسها “قسد”.
الازدواجية الصارخة في الخطاب
الغريب أن كثيرًا من هذه الأصوات لم تحرّك ساكنًا إزاء المجازر والانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد، ولا الجرائم المستمرة التي ترتكبها “قسد”، رغم توثيقها في تقارير منظمات دولية. ومع ذلك، فإن هؤلاء الناشطين لا يتناولون هذه الفظائع، بل ينكرونها، ويهاجمون من يجرؤ على كشفها أو مناقشتها.
نماذج من الجرائم المسكوت عنها
من أبرز هذه الجرائم:
هذه الانتهاكات تمرّ دون إدانة، بينما يُهاجم كل من يُشير إليها.
ديكتاتورية البثوث وكمّ الأفواه
تجربتي الشخصية في هذه المنصات تؤكد أن من يدّعون الدفاع عن الحريات، يمارسون القمع بكل أشكاله:
كما جرى معي في بث نظمته من تسمي نفسها “إعلامية” تدعى رزان، وأخرى تُدعى إيوانا، حيث لم يكن هناك أي مساحة للرأي الآخر أو لخطاب وطني جامع.
مشروع أقلوي مدعوم خارجيًا
الأخطر أن هذه المساحات لا تُعبّر عن رأي فردي، بل تُدار ضمن مشروع:
إنه امتداد سياسي وإعلامي لمشروع انفصالي مدعوم من الخارج، يتغذى على تمزيق سوريا، لا توحيدها.
غياب الرقابة: تهديد للأمن القومي
إن غياب الرقابة الفعالة على هذه المنصات الرقمية ينذر بعواقب كارثية على:
ترك هذه الفضاءات لحملات الكراهية والتحريض يجعلها أدوات تفكيك لا تعبير، ومنصات تفجير ناعم لخرائطنا الوطنية.
توسعة وتأملات إضافية
تُعد منصات التواصل الاجتماعي اليوم من أقوى الأدوات التي تؤثر على الرأي العام، خاصة بين الشباب والفئات الأكثر انفتاحًا على الفضاء الرقمي. تستخدم هذه المنصات خوارزميات ذكية تُعزز انتشار المحتوى المثير والمستفز، مما يجعل الأبواق المأجورة تجد بيئة خصبة لترويج خطاب الكراهية والفتنة. وبما أن هذه الخوارزميات تعزز تفاعل المستخدمين، فإن المحتوى الطائفي والانقسامي ينتشر بسرعة تفوق أي رقابة تقليدية.
غياب الرقابة الفعالة على هذه المنابر يعود إلى عدة أسباب، منها الاستقلالية التقنية التي تتيح للشركات المشغلة حرية واسعة، بالإضافة إلى قصور القوانين في تنظيم المحتوى التحريضي، خاصة مع تعقيدات السياسات الدولية المتعلقة بحرية التعبير. هذا الفراغ يتيح استمرار بث السموم الإعلامية التي تهدد وحدة المجتمع السوري وتزرع بذور الصراعات الطائفية.
إن استمرار هذه الحالة له عواقب وخيمة على مستقبل سوريا، إذ يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الانقسامات العميقة، وإضعاف الشعور بالمواطنة الجامعة، وربما تفجر نزاعات داخلية تهدد السلام والاستقرار. لذلك، لا يمكن تجاهل هذا الملف في معركة الحفاظ على وحدة الوطن.
في المقابل، يمكن للمجتمع المدني والإعلام الوطني أن يلعبا دورًا حاسمًا في مواجهة هذه التحديات. عبر تبني خطاب وطني جامع، وتعزيز قيم التسامح والتعايش، فضلاً عن تطوير أدوات رقابة ذاتية ومبادرات توعية رقمية، يمكن تقويض تأثير تلك المنابر السامة. هناك تجارب ناجحة في دول أخرى في مواجهة خطاب الكراهية الرقمي من خلال التعاون بين السلطات والقوى المجتمعية، وهو ما يمكن أن يشكل نموذجًا يمكن اقتباسه وتكييفه لسوريا.
خاتمة: سوريا ستبقى وطن الجميع
وبرغم كل ما تحاول تلك المساحات والبثوث المغرضة، التي تشرف عليها قوى الظلام وتنفخ فيها الأبواق المأجورة، ستبقى سوريا نموذجًا حيًا للتعايش والتنوع.
هذه الأدوات الرخيصة، مهما علت أصواتها، لن تفلح في تمزيق هوية سوريا، ولن تنجح في تحويلها إلى كيان طائفي هش.
ستبقى سوريا بلدًا مركزيًا، فاعلًا بتاريخه، حيًّا بوعيه، وستنهض من جديد بوحدة شعبها لا بتشظياتالخارج، ولا بإملاءات من يتاجرون بالمظلومية ويقتاتون على الفتنة.