حضور صلاح الدين الايوبي في معرض أربيل الدولي للكتاب

د. شيروان الشميراني
الحاضرون في الاحداث الآنية هم الاحياء فقط بالمعيار المادي، أما الآخرون الذين يحضرون فهو دليل على حياتهم المعنوية، هم لا يعيشون مع الاحياء جسدياً لكن حضورهم الطاغي يغطي على الجموع، إلا أنّ صلاح الدين الأيوبي هو من الأكثر حضوراً من بين كل الأحياء المغادرين للحياة وممن لم يغادروها،لأن بصمته وأسطوريته وخلقه الاحداث السياسية والدينية والجغرافية تأثيراتها مازالت جارية، فهو المجدد الثاني للإسلام بعد عمر بن الخطاب ولم يأت الثالث بعدُ، هما الرجلان اللذان تمكنا من تحقيق رؤاهم على أرض الواقع، ووفقهم الله في التغيير العملي الشامل وليس التوقف عند حدود التنظير،وحضوره في معرض أربيل الدولي للكتاب-إقليم كوردستان العراق– كان مؤثراً في سير أيامه، فهو حيّ عظيم، وكل من يريد إماتته كأنه يسخر من نفسه.
كان لنبأ حضور الكاره الحقود، الروائي المصري يوسف زيدان ضمن فعاليات المعرض في دورتهالسابع عشر- أبريل 2025 وقع الصدمة على المحبين للسلطان الناصر، لأنه بهجومه الخارج عن كل معايير حرية التفكير والرأي تجاوز جميع القيود الأخلاقية التي ترافق ممارسة حق النقد للأشخاص والأفكار، زيدان كان قد وصف صلاح الدين وهو مصرّ على ذلك بأنه من أحقر الشخصيات التاريخية،الذي اعتبره غالبية الشعب الكردي إنه تجاوز بذلك الخطوط الحمراء وأساء الأدب مع الشخصية الكردية الأكبر في التاريخ، وبناء على القوانين المعمول بها في إقليم كردستان قُدِمت دعوى قضائية ضده لدى الادعاء العام، زامنها هجوم شديد عليه مما أجبره على التراجع عن حضوره والقائه الكلمة التي كانت مقررة له ضمن برنامج فعاليات المعرض.
شدّ وجذب كبير حصل في الشارع الثقافي الكوردي، بين أقلية شيوعية ويسارية – وليس كلهم- مؤيدة له وغالبية معارضة، وعلى إثره تناول الإعلام بمختلف مجالاته شخصية السلطان صلاح الدين والتعريف الإيجابي به، إلى درجة إعتماده والإفتخار القومي به وليس الديني فحسْب، اجتمع غالبية العلمانيين والإسلاميون على أنه القمة الشاهقة لمساهمة الأمة الكردية في بناء الحضارة الإسلامية، وإنه مصدر الإلهام والشموخ.
الكارهون لصلاح الدين الأيوبي
هناك أربع جهات عيونهم لا ترى صلاح الدين، ونفوسهم لا تتحمله، وعقولهم لا تعي ولا تنتج غير السلبيات القادحة – من منظورهم- لعظمته، ويعملون في سبيل كسر رمزيته التي لا تضاهى: –
لقد قيل الكثير عن يوسف زيدان في الاعلام الكردي، لكن لم يحدد بالنقاط سبب كره لصلاح الدين، فهو من الناكرين لكرديته، ويتهمه بأنه سفك دماء الفاطميين وخان ثقتهم به، لكن يمكن تحديد الدوافع الكامنة وراء حقده له بأربعة: –
لهذه الأسباب وقد يكون غيرها، يتلفظ الروائي المصري بعيداً عن كل الشروط الأخلاقية ويأتي إسم هذا العظيم الحيّ التاريخيّ على لسانه.
مناقشة حجة كردية
أقصد بالكردية هنا مجردّ انتماء القائلين بتلك الحجة إنهم ينتمون الى القومية الكردية، وليس بمعنى الكرد من حيث العرق والدم، إن هؤلاء ممن يتبنون الرؤية المعادية للدين، يبحثون عما يجد صدى لدى الشارع لقدح شخصية صلاح الدين من خلاله، ولم يجدوا ما يوافق الهوى الكُردي ويسعفهم في ذلك سوى مقولة إن صلاح الدين لم يؤسس دولة للكُرد كما فعل الآخرون، وبالنظر الى الظروف التي مرّ بها الشعب الكُردي خلال القرن الماضي، يتفاعل الكسالى مع هذه المقولة، وهي لا تثبت على الإطلاق كمعيار لقياس صلاح الدين به، لأن الواضح إن فكرة القومية في صورتها الراهنة حديثة على الأمة المسلمة، ظهرت في الغرب وجاءتنا من هناك، وكان لها الأثر السلبي في تفكيك الاجتماع الإسلامي على أسس العرق واللسان، بمعنى أن زمن صلاح الدين وقبله وقرون بعده، لم يكن لهذا الفيروس الفتاك وجود في الحياة، وكان الزمن زمن الأديان والأفكار والإمبراطوريات، وليس زمن الدول القطرية والمجتمعات الممزقة، حتى العثمانيون، هم أيضاً كانوا إمبراطورية، وتأسيس الدولة التركية الحديثة هي من الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى، وهم أنفسهم من حرموا الأمة الكردية من الدولة في سايكس- بيكو وليس صلاح الدين الأيوبي ولا الظلم الإسلامي.