اجتماعيةمقالات

حقوق المرأة بين الموروث الاجتماعي….والموروث الفقهي

أ. فرحات الهوني
لم يكن الحديث عن حقوق المرأة في كتب السلف ذا حيز كبير، على اعتبار أن المرأة لم تكن يومًا قضية جدلية، حيث حدد لها الشرع حقوقها وواجباتها خاصة في قضايا مثل الزواج والطلاق والميراث… وغيرها، ولم تكن يومًا نقطة ضعف في الأمة ينظر إليها المتربصون من أهل الأديان المنحرفة أو من انسلخ من المسلمين عن دينه على أنها الأضعف في النظام الاجتماعي والفكر الإسلامي.
وهذه المغالطات مستوردة من خارج أقطار العالم الإسلامي، ظهرت في العصور المتأخرة نتيجة الغزو الفكري للعالم الإسلامي، وذلك بعد النهضة في أوروبا بفترة.
عندما حدثت النهضة في أوروبا ودخل عصر الصناعات وخرجت معها المرأة في أوروبا للعمل والبحث عن مصادر الرزق، تم استغلالها على أنها عمالة رخيصة يمكن توظيفها ولو على حساب إمكانيتها كامرأة وفوق طاقتها النفسية والاجتماعية فضاعت كأنثى وضاع معها دورها الاجتماعي وضاعت معها حقوقها.
هنا بدأت تكوين المؤسسات والهيئة النسائية للمطالبة بحقوقهن، ورفع المعاناة عنهن، وتسعر الأمر بالمظاهرات والاحتجاجات حتى تم إرضاخ القوانين إلى مطالبهن وأصبح تباهي الدول الأوروبية بإعطاء المرأة حقوقها وحريتها، وتعتبر منقصة في أي دولة ليس فيها حرية المرأة بالمفهوم الغربي.
في العالم الإسلامي إلى العصور المتأخرة لم تكن هناك أي مشاكل في المجتمع المسلم حول حقوق المرأة وحدود حريتها، ولم تتذمر المرأة يومًا من مجتمعها لأن الكافل لحقوقهن الشرع الحنيف قرآنًا وسنة والمسلمون يعطون حقوق المرأة عبادة وليس تجملاً يحتفل به سنويًا.
اعترى سوء فهم لمفهوم حرية المرأة وحقوقها عند بعض المجتمعات الإسلامية من المتأخرين حيث سيطر على هذا المفهوم الموروث الاجتماعي وعقلية أو فقه البدو (كما وصفه الشيخ محمد الغزالي رحمه الله)، وأصبح هذا الموروث وهذه العقلية هي مرتكزات ومنطلقات الفتوى لديهم، بدون الإمعان في الأدلة الشرعية ومقاصد الشرع وخلاف المذاهب، وكأن لسان حالهم أصبح يقول: (وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون).
أصبحت قضية تعليم المرأة، وخروجها للعمل، وقيادة السيارة، وممارسة العمل السياسي، وتولي القيادات العليا للدولة، وترشحها للانتخابات، وتولي القضاء….وغيرها، مسألة خلافية جدلية بين الفقهاء الذين يحرمون ذلك، وفقهاء الفكر الوسطي المعتدل الذين يجيزون مع وضع بعض الضوابط القيمية والأخلاقية، وكادت تصل درجة الخلاف للتكفير والتفسيق والانحلال من قبل فقهاء يجرّحون كل من خلافهم.
خاضت الأمة في هذا الخلاف حتى أصبح مثلمة ولجة أمام الغزو الفكري الغربي وطرحت علينا الأفكار العلمانية التي أصبحت تقنع المرأة في مجتمعها المسلم بأنها مسلوبة الحقوق ولابد من نيل حريتها وتحررها من هذا الموروث الذي كبلها، وانطلت هذه على الكثير من المسلمين نساءً ورجالاً وسالت الأقلام بمددها المسموم فنشرت الصحف وأقيمت المحاضرات والندوات وسطرت الكتب وانحاز الإعلام، وجعلوا من قضية المرأة قضية معقدة في الفقه والفكر الإسلامي ولابد من حلها، وبدأت معاول الهدم تعمل حتى حدث إفراط في قضية حرية المرأة وحقوقها وتجاوزت القيم الأخلاقية للإسلام.
يجب على كل أفراد المجتمع وعلى الرجال في البلاد الإسلامية، أن يعلموا أن دور المرأة في نظر الإسلام هو عبارة عن وجودها في كل مجالات الحياة، وتعلّمها وجدّها وسعيها في كل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية في المجتمع، ويجب أيضًا أن يعلموا ما هو دور المرأة وواجبها في محيط الأسرة وخارجه؟
إن للإسلام نظرة بيّنة وواضحة بالنسبة للمرأة، وإذا أردنا أن نقارن هذه النظرة مع نظرة الثقافات الأخرى كالثقافة الغربية، نجد أن النظرة الإسلامية لم تقطع أشواطًا كبيرة ومتقدمة فقط، بل إن لها تأريخاً قديماً يفوق ما هو عليه بالنسبة للرجل، وهذه النظرة الإسلامية الصحيحة للمرأة هي بسبب نجاح وتقدم البلاد الإسلامية، وارتقاء مستوى النساء فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى