اجتماعيةمقالات

حِصنُ الأُسرة و أحكام_المرأة!

أ. وليد المغربي

أحكام الأُسرة أو العائلة، والمرأة في الإسلام مُحصّنة وثابتة بالقطعي، وبنصوصٍ متضافرة، وأغلبها في القرآن الكريم بصورة بيّنة واضحة:
بدءًا بلباس المرأة، بتفصيل ذلك من إدناءٍ للجلابيب وخمار الرأس، وضربه على الجيوب، وطريقة مشية المرأة وذلك بالنهي عن ضربِ الأرجل، وكيفية كلامها، وعدم إظهار زينتها إلا الظاهر منها، بل تفصيل الكلام حتى عن لباس القواعد من النساء!، والنهي عن التبرج بزينة، وتبرج الجاهلية، ثم ذِكر محارم المرأة ومن يحق لها أن تظهر له زينتها… كل ذلك بالتفصيل…إلخ

ثم أحكام الأسرة مفصلةً من الزواج، بما فيه المهر، وكم يحل من الزوجات والعدل بينهن، والقوامة، ثم الحمل والرضاع ومدتهما، والطلاق وأحكامه وعدته، والنشوز وحلوله، بل واللعان، والمحافظة على النسب، والأمر بنسبة الولد لأبيه، وتحريم التبني، وحكم الإيلاء والظهار، والحديث عن بر الوالدين، وصلة الأرحام، وأحكام الميراث من حقوق البنت والأم والزوجة والأخت بتفصيله،…إلخ.
بل جاءت الحدود لتحفظ الأسرة ونسلها وسُمعتها، كحدّ الزنى، وحدّ القذف!.
كل ذلك جاء مفصلا في القرآن الكريم.
ويذكر الأصوليون قاعدة مهمة وهي أنّ الأحكام المهمة الاعتقادية والعمليّة التي لها أولويّة في الدين والتي أغلبها تدخل في المعلوم من الدين بالضرورة يذكرها القرآن بشيء من الوضوح فتكون مُحكمة لِما لها من مكانة، ويبقى للسنة المشرّفة بيان بعض الجزئيات والتفاصيل والهيئات تُتِّمُ وتزيّن ما أشاده وأسسه القرآن …

وكأن الإسلام يقول
لنا الأسرة هي الحصن الحصين للحفاظ على الدين!

فلا يأتينّ أحدٌ اليوم يرفع عقيرته شامخًا بجهله، كاشفًا عن سوأته ويقول: هذا الحكم لم يثبت بدليل قطعي، بل جاء بحديث آحاد، أو بسند منقطع…إلخ.

هيهات هيهات… هي أحكام ثابتة كالشمس، تعاقبت عليها الأجيال نحو أربعة عشر قرنا!.

نعم قد تَعمى هذه الرواسخ الثوابت على من امتلأت قلوبهم بالشّهوات حتى غشيها الرّان وحجبت الحقيقة الظاهرة عنها

﴿بلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَهْوَآءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍۢ فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ!﴾‏ ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى ٱلْأَبْصَٰرُ وَلَٰكِن تَعْمَى ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ﴾‏

كذلك يُحجَب عن الحقيقة مَن ضُلِّلَ بالشّبهات لقلة العلم، أو أصابه زيغ فاتّبع المتشابهات ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾‏
أو خضع للهيمنة الغربية وجعل كلّ ما يُصدر عنها محلّ قبول، وانهزم أمامها انهزامًا نفسيًّا وعقليًّا!.
و”المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونحلته وسائر أحواله وعوائده” كما عبّر ابن خلدون.

وعليه فمهما ناوش الأعداء الإسلام من ثغور متعددة ستبقى الأُسرة المُسلمة هي المانع والجدار الواقي…
فيها يَتلقّى الوليد والطفل التربية الصالحة، والعفاف والحياء، والخلق القويم، وينشأ على الإسلام وأحكامه!.

ولذلك نرى ملاحدة العصر ودجَاجِلتَه، والمُبْطِلين الزائغين المُتتبّعين ما تشابه، يريدون هدم هذا الحصن، بإشاعة الفواحش، والتشكيك في المسلمات بإنكار لباس المرأة الشرعي أو “الحجاب”، وتشجيع للحركات النسوية، وإنكار سنة الله في الكون في التزاوج ﴿ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لعلكم تذكرون﴾‏ فلم يحصروا الزواج بين ذَكر وأنثى، فأشاعوا المثلية الدنيئة، ودعموا الانتكاسة الفطرية، ثم أنكروا القوامة، محاولين إزالة الحواجز الطبيعية بين الذكر والأنثى، بل ذهبوا إلى التشكيك في عدالة الله تعالى في الميراث إلى غير ذلك من الترّهات!.
﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ!﴾‏

وقد تصدى علماؤنا في العصر الحديث للشّبهات التي أثيرت حول المرأة وأحكام الأسرة في الإسلام، وقرروا الأحكام وردوا على ما يثار من تشغيب وشبهات واهية…

من ذلك ما كتبه آخر شيوخ الإسلام للخلافة العثمانية العلامة مصطفى صبري قبل ثمانين سنة تقريبا، في كتابه قولي في المرأة ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب، وما كتبه العلامة مصطفى السباعي في المرأة بين الفقه والقانون، والعلامة محمد الغزالي، في قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، والإمام يوسف القرضاوي في كتابه الأسرة كما يريدها الإسلام، ومركز المرأة في الحياة الإسلامية، وفتاوى المرأة المسلمة وجمع ذلك في كتابه فقه الأسرة وقضايا المرأة في الإسلام، والكتاب الشهير للأستاذ عبد الحليم أبي شقة تحرير المرأة في عصر الرسالة في عدة أجزاء، وبعض الرسائل النافعة ككتاب العالم القرآني الرباني فريد الأنصاري سِيماء المرأة في الإسلام، ثم الكتاب الذي كُتب في وقته، وسدّ ثغرةً فَتحها الذين في قلوبهم زيغ، فجاء كتاب جدلية الحجاب لشيخنا الدكتور صهيب السقار، فألقمهم حجرًا …وغير ذلك من كتابات علمائنا!.

الواجب علينا أن نستوعب ما كُتِب وننشر ذلك في الآفاق…فإذا أردنا ألا تُخترَق الحصون وتُتَجاوَز الآطام فالله الله في الأسرة حافظوا عليها وأعطوها من أولياتكم تربية واهتمامًا وتعليمًا وتثقيفًا حتى نقف في وجه هذه الموجة التي تريد أن تقتلع هذا الحصن أو تهزّ بنيانه، أو تهدّده من داخله! .

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ!﴾‏

زر الذهاب إلى الأعلى