دروس تربوية من القرآن 8
فرج كندي
الدرس الثامن
{وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين} البقرة 124.
إن ابراهيم عليه السلام ابتُلي بكلمات من ربه، وكلمات الله أوامر وتكاليف يلقيها الله تعالى على العبد؛ لينظر ما يفعل بها، يطيعه أو يطيع هوى نفسه. والآية تشير إلى ابتلاء خاص بنبي الله إبراهيم، عليه السلام، وإن كان جاريا على قاعدة السنة الكونية العامة، وهي أن البشر جميعا يبتلون ويتفاوتون في الابتلاء وأنهم خلقوا لذلك {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا} الإنسان 2.
فالابتلاء قدر مقدور على بني آدم جميعا يمرون به من خلال أوامر الله وتكاليفه لينظر الله إلى سلوكهم، ومن منهم استجاب لأوامر الله تعالى؟
ولقد كان إبراهيم عليه السلام من أئمة المبتلين، وكان أقسى ابتلاء مر فيه، حين أمره سبحانه وتعالى أن يذبح ابنه إسماعيل الذي رزق به بعد فترة طويلة من الحرمان، وهو ما جعل محبته له مضاعفة وتعلقه به أشد؛ فيؤمر في الرؤيا أن يذبحه، ورؤيا الأنبياء وحي.
ويأتي خطابه لابنه الحبيب {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى) الصافات 102. فيستجيب إسماعيل عليه السلام ويرفع إلى المستوى الذي يريده الله منه، فيقول مستجيبا لأمر الله مطيعا لأبيه {يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} الصافات. ويرتفع النبيّان إبراهيم وإسماعيل إلى قمة يندر أن ترتفع إليها البشرية في أي مستوى من مستوياتها؛ فيستجيبان لأمر الله وبدون تردد {فلما أسلما} يعني استسلما لأمر الله {وتله للجبين} أي استعد وشرع في تنفيذ أمر الله تعالى {وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا}. لقد صدق إبراهيم مع ربه، وأعد نفسه للإجابة، وشرع في تنفيذ ما أمره به مولاه فأعفاه الله وفدى إسماعيل عليه السلام {بذبح عظيم} الصافات 107.
لقد ارتفع إبراهيم عليه السلام إلى ذروة ربما لا يرتفع إليها بشر غيره، فكافأه سبحانه وتعالى أكبر مكافأة يمكن أن تكون في الحياة الدنيا: {قال إني جاعلك للناس إماما}، وهل في الدنيا مكانة أو منصب أكبر من أن يكون الإنسان إماما للمتقين يهديهم إلى الخير؟؟ وما عند الله في الآخرة أكبر وأعظم وأجل.