مقالاتمقالات تربوية

دروس تربوية من القرآن (9)

 

فرج كُندي

الدرس التاسع

قال تعالى: ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (177) البقرة

اشتملت هذه الآية الكريمة على فوائد ودروس عظيمة.

منها: أن الله تعالى لما أمر المؤمنين أولا بالتوجه إلى بيت المقدس، ثم حولهم إلى الكعبة، شق ذلك على نفوس طائفة من المسلمين، فأنزل الله تعالى بيان حكمته في ذلك، وهو أن المراد إنما هو طاعة الله عز وجل، وامتثال أوامره، واتباع ما شرع، فهذا هو البر والتقوى والإيمان الكامل، وهذه التربية على الطاعة المطلقة لله تعالى فيما أمر.
قال مجاهد: ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة الله، عز وجل.
وقال الضحاك ولكن البر والتقوى أن تؤدوا الفرائض على وجوهها.
وقال الثوري: ولكن البر من آمن بالله. قال: هذه أنواع البر كلها
وقوله: تعالى (وآتى المال على حبه) أخرجه طاعة لله، وهو محب له راغب فيه.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: (أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر)
قال تعالى (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) الإنسان : 8 ، 9 .
وقال تعالى: ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) آل عمران: 92 وقوله: ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) الحشر: 9 وهذا هو الإيثار بما هم مضطرون إليه وفي حاجته، وليس كل أحد يطيق هذه الطاعة إلا من تربى تربية قرآنية على نهج خير البرية.
وقوله: (ذوي القربى) وهم: الأقارب والأرحام، وهم أولى بالعطاء من الصدقة وأجرها مضاعف، كما ثبت في الحديث: “الصدقة على المساكين صدقة، وعلى ذوي الرحم ثنتان: صدقة وصلة. فهم أولى الناس بالبر والعطاء. وقد أمر الله تعالى بالإحسان إليهم في غير ما موضع من كتابه العزيز لمكانة الرحم عند الله تعالى.
(واليتامى) هم: الذين لا كاسب لهم، وقد مات آباؤهم وهم ضعفاء صغار دون البلوغ والقدرة على التكسب.
(والمساكين) هم: الذين لا يجدون ما يكفيهم في قوتهم وكسوتهم وسكناهم، فيعطون ما تسد به حاجتهم وخلتهم. وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه.
(وابن السبيل) وهو: المسافر الذي قد نفذت نفقته فيعطى ما يوصله إلى بلده، وكذا الذي يريد سفرا في طاعة، فيعطى ما يكفيه في ذهابه وإيابه، ويدخل في ذلك الضيف.
(والسائلين) وهم: الذين يمدون أيديهم للطلب فيعطون من الزكوات والصدقات، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( للسائل حق وإن جاء على فرس) رواه أبو داود.
(وفي الرقاب) هم: المكاتبون الذين لا يجدون ما يؤدونه في كتابتهم.

وقوله: (وأقام الصلاة وآتى الزكاة) أي: وأتم أفعال الصلاة في أوقاتها بركوعها، وسجودها، وطمأنينتها، وخشوعها على الوجه الشرعي الذي كلفه الله به.
وقوله: (وآتى الزكاة) دفع زكاة ماله بعد بلوغ الحول والنصاب، ويحتمل أن يكون المراد به زكاة النفس، وتخليصها من الأخلاق الدنية الرذيلة، كقوله: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) [الشمس: 9 ، 10] وقول موسى لفرعون: (هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى) [ النازعات: 18، 19] وقوله: (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) كقوله: (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) [الرعد: 20] وعكس هذه الصفة النفاق، كما في الحديث: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) وفي الحديث الآخر: (إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) وقوله: (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس) أي: في حال الفقر، وهو البأساء، وفي حال المرض والأسقام، وهو الضراء؛ (وحين البأس) أي: في حال القتال ولقاء العدو.
وقوله: (أولئك الذين صدقوا) أي: هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم، لأنهم حققوا الإيمان بالأقوال والأفعال، (وأولئك هم المتقون) لأنهم اتقوا المحارم وفعلوا الطاعات بخوفهم من الجليل وعملهم بالتنزيل واستعدادهم ليوم لقاء ربهم سبحانه وتعالى.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى