عاممقالاتمقالات الرأي

دفاعاً عن المنهج وإنصافاً للحقيقة

د. شيروان الشميراني

الحديث في عالم الأفكار بحاجة الى هدوء وعقلنة، وإنصاف، والمناهج القديمة والمشابهات الحديثة لها كانت غاية أصحابها على الأغلب هي إسكات المقابل، أو فتح باب الجدال بالتي هي أسوأ نتيجة التعصب والنظر إلى ما يملكه المجادل أنه الحق المطلق والناجي من غضب الله، حتى لو كانت من المسائل الفرعية، خلال الفترة الماضية وبسبب الحرب الظالمة على غزة، والخذلان الذي بدى من بعض الأطراف تجاه سكانها، وهو خذلان نابع من كره حماس والمدرسة الفكرية الإسلامية التي ربتها، وهذه قضية مسكونة بالدوافع السياسية الشرق أوسطية.

ففي الفترة الأخيرة هذه اشتد الهجوم على الشيخ علي القرداغي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين– اشتداد الهجوم على غزة، ربما ذلك عائد إلى التأثير السلبي الذي تركه خطاب إسلامي وظّف سياسياً ضدّ حماس. وإعتراضات القرداغي على ذلك النوع من الخطاب.

 هنا باسلوب هاديء، وبمنهجية واضحة، يأتي الردّ على تلك الإفتراءات، ليس دفاعاً عن شخص معيّن بقدر الحديث عن منهج في التعامل مع الاحداث التي تلف الشرق الأوسط، ومواطن العطب في الخطاب السلبي الذي يعتمد على البعد الديني ويعجر عن إخفاء الحقد، وَيُوسِّع من دائرة الإختلاف.

1- إن ما كتب من المقال الطويل الممل في أسلوب الصياغة في الهجوم السافر على الأستاذ علي القرداغي والتيار الوسطي عموماً، وتشتته، دليل على تشتت ذهن الكاتب والضياع العقلي وعدم تماسمكه، وضعفه المنهجي، وقلة الاطلاع على الفكرالإسلامي المعاصر، وإيذان على ما يبدو بالدخول في مرحلة تالية من المواجهة الصدامية مع الآراء المختلفة، وهي المرحلة التي أُعِدّت لها في سنوات ماضية، المواجهة السافرة مع التيار الإسلامي الوسطي، كما كان الحال في دول أخرى مثل مصر والأردن وفلسطين.
2- فيما يتعلق بالتعرّض للسلفية لابدّ من التمييز بين أمرين: –

الأول: السلف الصالح ومنجهم في الفهم والتعامل مع الأفكار والآراء والإجتهادات المخالفة.

الثاني: الأشكال الخارجية المدعية الإنتماء إلى السلف. ولابد من معرفة أن مفردة “السلفية” استحدثت في بدايات القرن العشرين، ولم تكن موجودة في أدبيات العلماء السائرين على منهج السلف المحدد زمنياً بالقرون الثلاثة الأولى بالتاريخ الهجري.

فيما يتعلق بالأول، فالشيخ الأستاذ علي القرداغي لم يتعرض للسلف الصالح ولا لمنهجهم، بل هو وإخوانه يرون فيهم خير القرون، فهم الاصحاب والتابعون وتابعوا التابعين، لكن المنهج يكون قبل الأشخاص.

وبالنسبة للثاني: أي التمظر الخارجي، فهذا على التفصيل التالي: –

1- السلفية العلمية الدعوية.
2- السلفية التقليدية- النجدية.
3- السلفية السياسية– الحركية.
4- السلفية الجهادية.
5- السلفية المدخلية.

المدخلية، نسبة إلى “ربيع بن هادي المدخلي” من السعودية، ويسمى أحياناً “الجامية” نسبة إلى محمد أمان الله الجامي من أصول حبشية. وهي على أنواع : – الحدادية- نسبة الى محمود الحداد، ” العرعورية” نسبة إلى عدنان العرعور، “المغراوية” نسبة إلى محمود المغراوي، و “الحسنية” نسبة لأبي الحسن السليماني. واخيراً الحدادية الجديدة خلاف ربيع المدخلي مع فالح الحربي وفوزي البحريني.

تأسست المدخلية بعد الغزو العراقي للكويت، في مواجهة دينية للأصوات الرافضة للاستعانة بالقوات الأمريكية، أي ما يسمى باللاهوت السياسي، عندما يكون الدين أداة من أدوات السياسة الخارجية للدول، وبمرور الزمن تحول إلى تيار داخل من يسمون بالسلفية، وأصبح مدعوماً من السلطات لما يقدمه من خدمات في مواجهة المعارضة السياسية، وصلت المدخلية إلى اليمن من خلال ” مقبل بن هادي الوادعي” والى مصر من خلال عبد اللطيفالقوصي”، كانوا في خدمة السلطات ومواجهة الأفكار السياسية الدينية والعَلْمانية. ودخلت كوردستان عن طريق عبداللطيف أحمد، الذي لا يهدأ يطلق سهامه الباردة تجاه التيار الوسطي في كوردستانوشخص الدكتور علي القرداغي، واتهاماته هي موضوع هذا المقال.

فحديث الشيخ علي القرداغي كما أنه ليس على المنهج، فهو كذلك ليس على تلك التمظهرات تحت عناوين السلفية، وإنما كان على “المداخلة” فقط، وليس على شخوصهم وإنما على تدخلاتهم العوجاء في الامور السياسية التي تهم الأمة كلها، وهي الحرب الظالمة على غزة والضفة الغربية. لتبنيهم خطاباً يسقط في مآله لصالح الدعاية الإسرائيلية.

3- مسألة الاتهام بزعزعة الأمن العام: –

في التعامل مع الأنظمة كل الشعب من دون إستثناء بمارس حقه، لكن الخلاف في المنهج، وهناك ثلاث طرق للتعامل مع السلطات:

أولاً: الخروج المسلح.

ثانياً: الخضوع الكامل والصمت المطبق.

ثالثاً: الوسائل السلمية.

الخروج المسلح مرفوض كاملة، إلا في مواجهة العدو الخارجي. وكل اتهام للشيخ القرداغي أو التيار الوسطي في هذا الجانب ظلم.

أما الثاني، الخضوع الكامل، والخنوع يأباه الدين والعقل، والكرامة الإنسانية، وهنا إحدى نقاط الخلاف الجذري مع المدخلية، حيث يرون طاعة شبه عمياء، أنظر إلى أحد كبارهم وهو عبد العزيز الريس يقول:(إنه لو خرج الحاكم على الهواء مباشرة [على التلفزيون أو أمام العامة في الشارع] يزني ويشرب الخمر لمدة نصف ساعة يوميًا فلا يجوز الخروج عليه)..

الطريق الثالث هو الوسائل السلمية التي اتفق عليها العقل الحديث وهي من حقوق المواطنة الأساسية، هي التي يدعو اليها التيار الوسطي، من كتابة وتظاهرات واعتصامات مدنية، وتجمعات، والإنتخابات النزيهة، وغيرها مما هو متبع في الغرب والشرق.

لكن المَداخِلة يرفضونها، ويرون فيها بدعة وفسوقاً وتشبهاً بالكفار وخروجاً على الطاعة. لكن إذا كان في مواجهة حاكم مسلم منتمي الى الحركات الإسلامية فإنهم يجيزونها، أما مع العلمانيين ومن يرونهم انهم من السلفية يمنعونها..وهنا منبع كل الشكوك الدائرة حول غاياتهم.

 مثلاً: نافسوا محمد مرسي، وظاهروا على إخراجه، لكنهم يمنعون المنافسة القانونية للرئي عبد الفتاح السيسي، حتى وفق القانون المصري، هذا محمد سعيد رسلان، يقول: (الشرع يحرّم منافسة الحاكم،حتى لو سمح هو بذلك)، مجرد المنافسة السلمية وليست المقاتلة!!.

 في تونس، عندما كان زين العابدين حاكماً طاغياً مستبداً رأوا فيه ولي الأمر الشرعي، لكن بعده لما كان حمادي الجبالي من حركة النهضة رئيساً للحكومة أفتوا بفسقه وجواز مواجهته! .

 الخلاف المنهجي الآخر هو عن مفهوم الأمن: –

 يرى الشيخ علي القرداغي، أنّ أمن المجتمع، وأمن الدولة المشروعة من مقاصد الشريعة الإسلامية، أي أن الواجب هو تحقيق هاذين المقصدين، وبالتالي أي اتهام له ولإخوانه بالتسبب في توتير الأمن هو باطل، نابع عن الجهل.

والأمن المجتمعي، لا بد من توفره عبر توفير شروطه، فالجوع والطغيان السياسي وغلق أبواب الحريات، وإنعدام العدالة بين الشعوب كما في العراق وكما فعل البعث في سوريا، والعلمانيون في تركيا، والتشوهات الفكرية التي تقضي على الأمن الفكري، والترويج للمخدرات الذي يتسبب في الاضطراب النفسي والإعتداءات بين الشباب والشابات، كل ذلك من أسباب فقدان الامن المجتمعي، وبالتالي من أجل توفير الامن لامفرّ من معالجة هذه الأسباب، فالامن ليس هو أمن السلطات فحسب، بل أمن الفرد والمجتمع في مفهومه الشامل، لكن كيفية تصحيح قصور السلطات تكون بالطرق السلمية.. وليس بالخروج المسلح، ولا الخنوع يعالج الموضوع ولا يحافظ على أمنه بل يتحول الدين الخانع إلى مخدر بيد الظالم.

ثم: – إن توزيع الولاء والبراء واتهام التيار الإسلامي بالولاء لغير الله عند التعاون مع الاخرين على أمور مشروعة، أليس توتيراً للأمن المجتمعي؟، وإن رمي المنتمين الأفراد الى أحزاب علمانية في الشعار بالفسق والفجور، مع أنهم من الصوام المصلين الحاجين، أليس توتيراً لأمن المجتمع؟ ومحاولة تقسيم المجتمع بين الفرقة الناجية والفرق الضالة، أليس ضرباً مباشرً للوحدة الاجتماعية؟ .

4- إن إتهام التيار الوسطي بالمعتزلة أو المرجئة أو غيرها من الأوصاف، فيه عوار منهجي، وجهل في المعلومات، لأن مجرد التشابه أو الالتقاء في رأي علمي بين مدرستين لا يعني تماثلهما، وإزالة الفروق الجوهرية بينهما، او نكرانها، إذ لو كان كذلك، لأمكن وصم المدخلية بالعلمانية، لأن كلتيها ترى أن الدمقراطية لا تتوافق مع الإسلام وهي حرام من المنظور الإسلامي، لكن كل من منطلقه الفكري، مع أن النتيجة واحدة في النهاية، المنطق متشابه والغاية واحدة ولا خلاف في الرأي بين المدخليين والعلمانيين عن العلاقة بين الإسلام والدمقراطية، فهما واحد.
5- أما في اتهام حماس وطوفان الأقصى، مع أن البشر غير معصوم، ويخطيء في التقدير، حتى الولايات المتحدة الأمريكية أخطأت في التقدير في العراق وأفغانستان، والاتحاد السوفيتي أخطأ في أفغانستان كذلك، لكن يكفي تأمل قليل في غزوة أحد، وإصرار الصحابة على الخروج من المدينة والمواجهة المسلحة المباشرة وإجبار رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، ثم النتيجة الكارثية التي أصابت الصحابة رضوان الله عليهم – ، في حالات معركة أحد وغيرها مما تشبهها، لم يقف في وجه الصحابة من الّلذين رأوا الاشتباك المباشر، وردّ اجتهاد رسول الله سوى المنافقينَو كانوا هُنا ما ماتوا وَ ما قُتِلوا}.

  في الختام..إن القراءة الشاملة التكاملية للمنهج الإسلامي، ومقاصده، والتخلص من الأحادية في التفكير، والإعتماد على معايير العادات والعبادات الخاصة، والثوابت والمتغيرات، والفهم القرآني لمعاني الولاء والبراء، واعتماد الرفق واللين، مما يكفل معالجة العوار المنهجي والعمى الفكري، ويقرب النظر بين المختلفين ويبيّن الطريق المستقيم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى