اجتماعيةعاممقالاتمقالات الرأي

دور بني بويه في نشر التشيع وإثارة الفتن والنعرات بين الرعية

بقلم: د. علي محمد الصلابي

بحلول سنة (334 هـ/945 م) كانت الأوضاع العامة في العراق سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً غاية في السوء، وعندما تمكن البويهيون من بغداد زادواالأمور سوءاً، وكشفوا عن تشيعهم، وإيمانهم بعقيدتهم معاضدين أبناء الفرق الشيعية العلوية الأخرى، والتي كانت منتشرة في بغداد، وبعض المراكز الحضريةفي العراق انذاك مثيرين للفتن الطائفية، ولم يكن حال الخلفاء خلال هذه الفترةيسمح لهم بمواجهة بني بويه، فقد تولى الخلافة خلال العصر البويهي خمسة من الخلفاء تفاوتت مدد خلافتهم، وفقاً لموقف الأمير البويهي من كل منهم، وقد لاقى كل من أولئك الخلفاء الكثير من ضروب الإهانة والاستخفاف والعنت من البويهيين (1).

ومن منطلق اعتقاد بني بويه بأن سيطرتهم على الخلافة وإضعاف نفوذ الخليفة لن يمكن أهل السنة من التصدي لهم، فقد باشروا خططهم في محاولة نشر التشيع العلوي في المجتمع، ومحاربة السنة، مساندين في ذلكَ دعاة التشيع من أمثال موسى بن داود الشيرازي، والذي اشتهر بلقب المؤيد في الدين، وهو من عائلة عريقةفي التشيع على المذهب القرمطي، وكان أبوه محل احترام الخلفاء العبيديين، كماكان هو أيضاً محل احترام المرزبان بن عماد الدين أبو كاليجار البويهي، وكان إذاكاتبه خاطبه بقوله: لشيخنا، وظهيرنا، ومعتمدنا المؤيد في الدين عصمة أمير المؤمنين أبي النصر، أطال الله بقاءه، وأدام عزه، وتأييده (2).

وقد كان المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي من المجيدين للغتين العربيةوالفارسية، وله الكثير من المؤلفات التي يعتمد عليها الإسماعيلية إلى يومنا هذا (3)، وقد لعبت كتبه دوراً كبيراً في نشر الضلال، والانحراف، والزيغ، وعبر عن مدىتمسكه بمبادأى الحركة القرمطية، ومن أشهر كتبه كتاب (المجالس المؤيدية) ، ويضم ما كان يلقيه في مجالس الدعوة الإسماعيلية بعد أن ترقى في سنة (451 هـ/1059 م) إلى مرتبة داعي الدعاة، وله أيضاً كتاب (الإيضاح والتبصير في فضل يوم الغدير) بالإضافة إلى عدة كتب أخرى، وديوان شعر منحرف أيضاً (4).

وهكذا بدعم أمراء بني بويه لأمثال هذا الداعية الشيعي لم يمض وقت طويلحتى بدأت الفتن العارمة التي نجم عنها العديد من المعارك الداخلية، وحالات الاقتتالالطائفي تأخذ مداها بين أهل السنة والشيعة (5).

وأول إشارة إلى الفتن بين الشيعة وأهل السنة خلال العصر البويهي حصلتسنة (338 هـ/950 م) ، وقد كان من نتيجتها أن نهبت الكرخ (6)، وفي رمضان منسنة (340 هـ/951 م) وقعت فتنة عظيمة بالكرخ بسبب المذهب (7)، وفي السنةنفسها ظهر ببغداد رجل ادعى بأن أرواح الأنبياء والصديقين تنتقل إليه، وقد وجدت في داره كتبٌ تدينه بالزندقة فتم القبض عليه؛ فلما تحقق أنه هالك؛ ادعى أنه شيعي ليحضر عند معز الدولة بن بويه، وقد كان معز الدولة بن بويه يؤيد الرافضة، فلمااشتهر عنه ذلك، لم يتمكن الوزير منه خوفاً على نفسه من معز الدولة، وأن تقوم عليه الشيعة، إنا لله وإنا إليهِ راجعون (8).

وتقدِّم هذه الحادثة الدليل الواضح على مدى إسناد بني بويه لفرق الشيعةالرافضة الأخرى، ومدى تشجيعهم، ومناصرتهم لهم، وللمنتسبين لهم حتى ولو كانوامن الزنادقة، ويدعم هذا الرأي ما حدث في سنة (341 هـ/952 م) ؛ حيث ظفر الوزيرالمهلبي بقومٍ من التناسخية، وفيهم امرأة تزعم أن روح فاطمة ـ رضي الله عنها انتقلت إليها، وفيهم آخر يزعم أنه جبريل، فضربوا فتعزروا بالانتماء لأهل البيت، فأمر معز الدولة بإطلاقهم؛ لتشيع كان فيهم، والمشهور عن بني بويه التشيع والرفض(9)، وهكذا كان لمغالاة بني بويه في التشيع نتائج سيئة الأثر من حيث عمتالفوضى، والانحرافات العقدية، ولم تعد الفوضى قاصرة على بغداد، أو مدن العراق الأخرى، بل شملت بعض أنحاء الدولة العباسية الأخرى، وفي سنة (346 هـ/957 م) تجددت الفتنة بين السنة والشيعة في بغداد بسبب سب الصحابة، وكان من نتيجةذلكَ أن قتل من الفريقين خلق كثير دون أن تتحرك السلطة لمعالجة الصراع، وفي السنة التالية (347 هـ/958 م) انتشرت ظاهرة سب وتكفير الصحابة في كثير من البلدان (10).

واشتدت الفتنة الطائفية بين الرافضة والسنة، ووقعت في جمادى الأولى سنة(348 هـ/959م) ، حرب شديدة بين أتباع مذاهب السلف من أهل بغداد والمتشيعة، وقتل فيها جماعة، واحترق من البلد كثير، وفي السنة التي تلت: أي سنة(349هـ/960 م) وبسبب الفتنة الطائفية تعطلت صلاة الجمعة في جميع مساجدبغداد (11)، وفي سنة (351 هـ) كتب العامة على مساجد بغداد لعن معاوية بن أبي سفيان، ولعن من غصب فاطمة فدكاًيقصدون أبا بكر ، وكذبوا في ذلك؛ لأن أبا بكرنفذ حكم رسول الله (ص) في فدك، ومن أخرج العباس من الشورىيقصدون عمرفي ترشيحه لأهل الشورى حيث كانوا من العشرة المبشرين بالجنة، ومن نفى أبا ذرالغفاري يقصدون عثمان ، وعثمان لم ينفِ أبا ذر ، ولكن أبا ذر اختار ذلك، ومن منع دفن الحسن عند جده، ولم يمنع معز الدولة ذلك (12)، وقد ثار أهل السنة من هذا التعريض المباشر بصحابة النبي (ص) ، وخصوصاً الخلفاء الراشدين الثلاثةالأول، وأقدموا خلال ساعات الليل على إزالة الشعارات التي رفعها الرافضة، غير أن الأمير البويهي معز الدولة أصر على ضرورة إعادة تلك الشعارات، وإبقائها مرفوعةرغم ما تشكل من تحدٍّ سافر لمشاعر عموم المسلمين من أتباع مذهب السلف وأهل السنة، وقد نصحه وزيره المهلبي بالامتناع عن ذلكَ مداراة للرأي العام، وبأن يكتب مكان ما محا: لعن الله الظالمين لال رسول الله (ص) (13)، وصرحوا بلعنة معاوية فقط (14).

وهكذا يثبت الأمير البويهي مدى ضيق أفقه، وتحزبه الأعمى لأبناء مذهبه، فقدأيد الروافض وتعصبهم وموقفهم المنافي لعقيدة الإسلام التي نزلت على رسول اللهمن الله تعالى، وبينها رسول الله (ص) للمسلمين، وقد اتسع نطاق الصراعات الطائفية ولم تعد قاصرةً على بغداد؛ بل إنها شملت البصرة، وهمذان، وقتل فيها خلق كثير (15)، مما قدم الدليل على أن أُمراء بني بويه ـ وعلى رأسهم معز الدولة ـ قد أسندوا الشيعة الغلاة الذين كانوا يطمعون في تشييع المجتمع خلال فترة سيطرةالبويهيين على مقاليد الحكم، وتسلطهم على الخلافة، ودون إعطاء أي اعتبار للخليفة العباسي السني الذي يحكمون باسمه (16).

وقد توسع في بيان تشجيع الأمراء البويهيين لحركة التشييع، وإثارة التفرقة، والنعرات الضيقة الدكتور رشاد عباس معتوق، فمن أراد التفصيل؛ فليراجع كتابةالقيم «الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي».

ويعتبر العصر البويهي من أقبح عهود التاريخ الإسلامي وأشدها، فقد احتل البويهيون قسماً كبيراً من شرقي بلاد الخلافة العباسية بما فيها العراق وبغداد، وكانوا شيعة غلاة ولم يلغوا الخلافة العباسية لأسباب سياسية، فأدى الأمر إلىصراع مرير جدّاً بين السنة والشيعة، وكانت بغداد مسرح هذا الصراع (17).

المصادر والمراجع:

(1) الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ، ص 60.

(2) القرامطة أول حركة اشتراكية في الإسلام ، طه الوالي ، ص 200.

(3) الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ، ص 63.

(4) المصدر السابق نفسه ص 63.

(5) الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ، ص 64.

(6) المصدر السابق نفسه ، ص 64.

(7) المصدر السابق نفسه ، ص 65.

(8) المصدر السابق نفسه.

(9) النجوم الزاهرة (3/307 ـ 308).

(10) الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ، ص 67.

(11) المصدر السابق نفسه.

(12) المنتظم (7/7 ـ 8).

(13) الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ، ص 68.

(14) تاريخ الخلفاء ، ص 639.

(15) الكامل في التاريخ ، نقلاً عن الحياة العلمية في العصر البويهي ، ص68.

(16) الحياة العلمية في العراق خلال العصر البويهي ، ص 69.

(17) المصدر السابق نفسه ، ص 90.

Related Articles

Back to top button