عاممقالاتمقالات تربوية

رحلة نحو السعادة والسكينة “أربعة قواعد لصلاح البال وراحة القلب”

أ.محمد العوامي

كتب أحد الإخوة فقال: القواعد الأربعة لصلاح البال وراحة القلب؛ “التوكل: أفوّض أمري لمن بيده مفاتح الغيب والرضا: مايكتبه الله لي هو الخير والتفاؤل: القادم أجمل بإذن الله والتسليم: قدّر الله وما شاء فعل، والخيرة فيما اختاره الله ”
فأردت التوسع قليلا في هذه المعاني من غير تطويل:

□ يمضي الإنسان في رحلة حياته الدنيوية جاهداً لتحقيق السعادة والسكينة، تاركاً أعباء الحياة وهمومها، ويعتبر صلاح البال وراحة القلب من أهمّ مقومات السعادة.
○ السعادة والسكينة هما هدف كل إنسان، فكيف يمكن بلوغهما؟

القاعدة الأولى: التوكل على الله
قال ابن عباس رضي الله عنهما “التوكل هو الثقة بالله، وصدق التوكل أن تَثِق في الله وفيما عند الله، فإنه أعظم وأبقى مما لديك في دنياك”.

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم والحكم: “هو صدق اعتماد القلب على الله –عز وجل- في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، ولا يكون المؤمن متوكلا على الله حق توكله إلا بالثقة بالله، وحسن الظن به سبحانه، والتسليم لأمره”.

والتوكل مقرون بالسعي والحركة، وعند مبادئ الأمور، و في سائر الأحوال. ولا يتحقق معناه بغير عمل، فمن أراد الرزق أو النجاح بذل الجهد متوكلًا على الله، وترك العمل تواكل وهو مذموم.

قال الله تعالى في سورة الطلاق: {وَمَنْ يَتَوَكّلْ عَلَى اللّه فَهُو حَسْبُه}.
وقال الله تعالى في سورة الأحزاب: {وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا }

روى الترمذي والنسائي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:” لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا”

ووروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال في بيان صفات السبعين ألفا الذي يدخلون الجنة بغير حساب:”هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون”

القاعدة الثانية: الرضا
هو الوقوف الصادق مع مراد الله، من غير تردد في ذلك ولا معارضة، يقف العبد حيثما وقفه ربه لا يطلب تقدما ولا تأخرا.
فهذا عمر الفاروق رضي الله عنه يكتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فيقول: “أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر”.
إن من وطن نفسه على الرضا عاش في الدنيا حياة طيبة، ولم تعرف الهموم والأكدار إلى قلبه سبيلا، كيف وقد رضي الله عنه ورضي هو عن الله.
وأمَّا مَنْ رضي بالله تعالى رباً؛ وَجَدَ حلاوةً في الرضا بالقضاء والقدر. ومَنْ رضي بالإسلام ديناً؛ وَجَدَ حلاوةً في اتباع الشريعة، والعملِ بها، والتحاكمِ إليها. ومَنْ رضي بالنبي صلى الله عليه وسلم رسولاً؛ وَجَدَ حلاوةً في أتباع سنته والتزام هديه.

○ فَلَيتَكَ تَحلو وَالحَياةُ مَريرَةٌ¤¤وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ
○ وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ¤ وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ
○ إِذا نِلتُ مِنكَ الوُدَّ فَالكُلُّ هَيِّنٌ¤ وَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُرابِ.

قال تعالى في سورة التوبة: {..رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ..}

وروى الترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإن اللهَ – عز وجل – إذا أَحَبَّ قومًا ابتلاهم؛ فمن رَضِيَ فله الرِّضَى، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ.

القاعدة الثالثة: التفاؤل
يعتبر التفاؤل من أهمّ صفات المؤمن، وهو سنة نبوية، وشعور إيجابي ينبع من النفس السليمة، ينعكس أثره على تصرفات الإنسان ومواقفه، ويمنحه سلامة نفس وهمة عالية، ويزرع فيه الأمل، ويدفعه إلى السعي والعمل، والتفاؤل ما هو إلا تعبير صادق عن الرؤية الطيبة والإيجابية للحياة، وهو انشراح في القلب مع حسن الظن بالله سبحانه وتعالى أو طلب حسن ما عند الله، حسن الظن بالله ثمن الجنة، وهو حقيقة، وسوء الظن به جهل.

قال تعالى في سورة الصافات ﴿فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ العَالَمِينَ﴾
وقال تعالى في سورة الفتح ﴿ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾

ورد في الحديث القدسي الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي..)

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أنه سُئل النبي ﷺ عن الفأل؟ فقال: «الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ» .

وروى البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “لا عدوى ولا طيرة ، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة”

القاعدة الرابعة: التسليم
من أعظم وأهم أسباب قوّة قلب العبد ورسوخ يقينه، وسلامة صدره، وتمام رضاه؛ الاستسلام لله -عز وجل- في أمره ونهيه، وقضائه وقدره
يُعدّ التسليم لله تعالى من أهمّ صفات المؤمن، فهو القبول التام بما كتبه الله للإنسان، راضياً بقضائه دون اعتراض على أمره وحكمه وشرعه، كذلك يكون التسليم لله في خبره، والرضا بما أخبر به عن نفسه وأخبر عنه به رسوله الكريم ﷺ، قال الإمام الطحاوي رحمه الله: “ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام”.
يقول الله تعالى في سورة البقرة عن إبراهيم عليه السلام: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.
ويقول الله تعالى في سورة النساء: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}
وورى الترمذي عن أنس رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: “من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له”.

▪️إنّ التمسك بهذه القواعد الأربع: التوكل، والرضا، والتفاؤل، والتسليم، يُساعد المسلم على تحقيق صلاح البال وراحة القلب، والعيش بسعادة واطمئنان في هذه الحياة الدنيا.
ولنتذكر أنّ السعي لتحقيق هذه القواعد لا يعني الاستسلام للسلبيّة، بل هو دافعٌ للعمل الجادّ والسعي لتحقيق الأهداف، مع الثقة التامة برحمة الله تعالى وعونه.
والله الموفق والمعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى