الكلمة الأسبوعية

رسالة إلى كل مسؤول

بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، ويقول تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّوا۟ ٱلۡأَمَـٰنَـٰتِ إِلَىٰۤ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَیۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُوا۟ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا یَعِظُكُم بِهِۦۤ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِیعَۢا بَصِیرا﴾، ويقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح “ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة”.
هذه الآيات والحديث أقدّمها بين يدي هذه الكلمة لكل مسؤول استرعاه الله رعية؛ بدءاً من رئيس الحكومة إلى أي مسؤول إدارة، بل كل موظف ومعلم ومهندس وطبيب تقع تحت يده مسؤولية من المسؤوليات، وكما يقول النبي ﷺ ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” فالكل لا يخلو من نوع من المسؤولية حتى المرأة في بيتها، أقول لكل هؤلاء؛ اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل، وعندما يسألك المولى سبحانه عن عملك، وما قدمت، فلن تستطيع الفرار والهرب من الجواب، فإن لم تجب بلسانك أجابت عنك جوارحك، فضلا عن الكتاب الذي سطرته الملائكة لكل ما قدمت من عمل.
وقد يسأل سائل، ما هو الواجب المنوط بكل مسؤول؟ فيمكن الإجابة عن هذا السؤال بقاعدة بسيطة “أصلح نفسك وأدي ما عليك، وانصح لمن حولك بأداء ما عليهم” فكل مسؤول لابد أن يؤدي عمله كما ينبغي وأن يراقب الله في كل أعماله، فلا يؤجل العمل ولا يطلب مقابله جزاءً أو شكوراً من أحد، ولا يظلم من تولى أمرهم ولو بمقدار صغير، فالظلم ظلمات، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، كما أنه يجب أن يطالب كل من تحت إدارته بالقيام بواجباتهم ويمنعهم من تعطيل الأعمال فضلا عن منع الحقوق وأخذ الرشاوى أو أي منفعة مقابل عملهم.
إن النصيحة للصديق والزميل في العمل هو واجب على الجميع، وما اكتسبت أمة الإسلام خيرِيَّتَها إلا لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ﴿كُنتُمۡ خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَـٰبِ لَكَانَ خَیۡرا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ﴾ ،وما لعن بنو إسرائيل إلاّ لأنهم ﴿كَانُوا۟ لَا یَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَر فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ﴾، ولذلك علينا أن ندرك عظم مسؤولية كل منّا، فالمسؤولية تزداد تبعاتها كلما زاد عدد الواقعين تحت تأثيرها، والظلم عواقبه وخيمة وخاصة إذا انتشر بين الناس.
ينبغي لكل منّا أن يدرك أن صلاحه في نفسه جزء من الإصلاح، ولن يكتمل إلاّ بالنصح للآخرين، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ﴿وَٱلۡعَصۡرِ، إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ لَفِی خُسۡرٍ ، إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡا۟ بِٱلصَّبۡرِ﴾
نحن نعيش حالة من الهوان والسوء وعدم وجود الأمن والشعور بالخوف الدائم من المستقبل وما تخبئه لنا الأيام، ولن يتغير هذا الحال إلاّ إذا أدينا ما علينا ورجعنا إلى الله وتبنا عن المظالم التي اقترفناها، ونصرنا المظلوم وأعدنا إليه حقه والتزمنا بحدود ما شرع الله فأدينا الفائض وأقلعنا عن المحرمات، فالدين في الإسلام المعاملة وهو النصيحة وهو حسن الخلق وهو الإحسان وهو الإتقان وهو كل أمر يجلب المصالح ويبعد المفاسد، ويحقق العدل ويمنع الظلم، ولنتأمل قوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلا قَرۡیَة كَانَتۡ ءَامِنَة مُّطۡمَىِٕنَّة یَأۡتِیهَا رِزۡقُهَا رَغَدا مِّن كُلِّ مَكَان فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَ ٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُوا۟ یَصۡنَعُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰۤ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَفَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَرَكَـٰت مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا۟ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ﴾، لندرك أن الأمر بأيدينا نحن نملك أن نجعله أحسن ما يكون أو أن نجعله أسوأ ما يكون.
قد يتساءل البعض؛ ما ذنبي أن يظلم البعض وأنا لم أظلم؟ السكوت من أعظم الظلم، وما تشجع الظالم على ظلمه إلا لسكوت أهل الخير عن ردعه، فنحن نتحمل جزءا من المسؤولية ولذلك سيقع علينا العقاب، وفي الحديث “به فابدأ، إنه لم يتمعَّر وجهه فيَّ يومًا واحدا” نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ويهدينا سبلنا ويعيننا على طاعته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى