مقالاتمقالات تربوية

رمضان شهر العدل والمساواة

 

بقلم: د. علي محمد الصلابي

إن من طبيعةِ الإنسان الغفْلة والنسيان، ومن صفات الدنيا الغرور والإلْهَاء، وإذا ما اجتمع في الإنسان الغفلة والنسيان، مع متاعُ الدنيا وزخرفُها، فإن قلبَه يقْسُو، ونفسه تعصي، ومن ثَمَّ يضْعُف إيمانه بالله تعالى وتَقِلّ رغبتُه في الدار الآخرة، ويجتمع همُّه كله للدنيا؛ ففي حُظوظِها يُنافِس، وفي سبيلها يُجَاهد.

وإن الصيام في رمضان ينمي في الشخص الشعور الحقيقي بالانتماء للمجتمع ولإخوته المسلمين، ويُعزز مشاعر الأخوة والمساواة، وذلك لأنه عندما يصوم الناس يشعرون أنهم يشاركون المجتمع الإسلامي الواجب نفسه وفي الوقت ذاته وللأهداف ذاتها، ولهذا فإن الله تعالى قد رحم البشريَّة بالنُّبُوات، وشَرع لها الشرائع التي تدلها على التوحيد والإيمان، وتُهَذِّب فيها السلُوك والوجدان، وتزرع فيها الرحمةَ والرأفةَ بالعِباد؛ وتنمي فيهم روح المساواة، فبرحْمَة الله تعالى يتراحَمُون؛ وبها يَتَواصلُون ويتعاطفُون، ويَرِق قويُّهم لضعيفهم، ويُعِين قادرُهم عاجزَهم، ويَحْنو كبيرُهم على صغيرهم.

وهذه الخصالُ الحميدة يَتَحَلَّى بها أهل الإسلام والإيمان، وإذا ما ضَعُف إيمانُهم، أو قَلَّ إحسانُهم، أو فَترتْ عزائمُهم، فإن شهر رمضان الذي يعود كل عام، تنبعثُ فيه النفوس، ويتجدد نشاطها، وتقوى عزائمها، ويزداد إيمان المؤمِنينَ، وتَشْتَدّ رغبتهم فيما عند الله تعالى.

وإن الصيام في شهر رمضان يقرب الفجوة بين الفقير والغني، وبين الواجد والفاقد، يتذكر الغني معاناة المحتاج والمسكين، ولا يمكن لأحد أن يفهم حقيقة الضعف الذي يعالجه الفقير بشكل يومي إلا من ينازله ويعايشه، وعلى هذا جاء شهر رمضان ليذكر الغني بحال البؤساء والفقراء في المجتمع، فيتكافل معهم، ويعلم لهم في ماله حقاً، لذلك نرى السلف يقولون: إن الصيام شُرع ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع.

وفي شهر رمضان ترى كَثْرة المتصدقِينَ، وتُشاهد مَوائدَ لإفطار الصائمينَ، وتَلْحَظ المواساة بين الناس، وهذا مقصدٌ عظيم من مقاصد الصوم، ومعنًى أراده الشارع الحكيم؛ ليُهَذِّب الأخلاق، ويسْمُوَ بنفوس الصائمِينَ، كما سئل أحد السلف: “لِمَ شُرع الصيام؟” قال: “ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع”.

ولقد سار الصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان على هذا المنهج القويم من مُواساة إخوانهم والإحسان إليهم، ويزداد هذا الخُلُق فيهم إذا كانوا صِيامًا؛ كما كان ابنُ عمر رضي الله عنهما يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعهم أهله عنه لم يَتَعَشَّ تلك الليلة! وكان إذا جاءه سائلٌ، وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام، وقام فأعْطَاه السائلَ، فيرجع وقد أكل أهلُه ما بقيَ في الجَفْنَة، فيصبح صائمًا ولم يأكلْ شيئًا. جاء سائلٌ إلى الإمام أحمد رحمه الله تعالى فدفع إليه رغيفَيْنِ كان يعدهما لفطره، ثم طوى، وأصبح صائمً. كما قال الشافعي رحمه الله تعالى: “أُحِبُّ للرجل الزيادة بالجُود في شهر رمضان؛ اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم؛ ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم”.

إنَّ رمضان شهر المُواساة؛ فالشبعان من المسلمينَ يصوم ويجوع؛ ليُواسي إخوانه الجَوْعَى، ويُقَاسِمهم طعامه؛ ولربما لو لم يَصُمْ ولم يصبه الجوع ما تذكرهم. وصاحب الثراء يصوم كذلك؛ ليتذكر حال إخوانه الفقراء والمُحْتاجِينَ؛ فيَدْفَع لهم زكاته، ويتصدق عليهم من فضول أمواله.

أخيرًا، يذكرنا شهر رمضان بالعلاقة المباشرة مع الخالق، وبعظمة المناشدة والمناجاة، وبفضيلة الإحسان والعطاء، وبقيمة المساواة أمام الله تعالى في الواجبات والعبادات والحساب، كما يذكرنا بألا ننسى الفضل والإحسان بيننا: }وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ{ [القصص:77].

 

 

 

 

المراجع:

  1. لطائف المعارف، ابن رجب، ص168.
  2. أحكام الصيام وفلسفته، مصطفى السباعي، ص68.
  3. رمضان والمساواة، موقع طريق الإسلام:

https://ar.islamway.net/article/10741/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى