عاممقالاتمقالات الرأيمقالات تربوية

سلمان_العودة؟ من_هو؟ وما_هو؟

الشيخ: يوسف القرضاوي

أهو نجدي قصيمي من أعماق نجد، صعيد المملكة العربيَّة الجوَّاني، عنيزة أو بريدة، أم هو من دمشق أو بغداد أو القاهرة؟

أهو شيخ مُعَمَّم من هواة الكتب الصفراء، وما لها من شروح، وما على الشروح من حواشٍ، وما على الحواشي من تقارير، يعيش بين دهاليزها، ويموت في أحشائها؟ أم هو أفندي له طربوش أو حاسر الرأس؟ وبماذا يناديه الناس: يا فضيلة الشيخ أم يا سيادة الدكتور؟
وماذا يحمل رأس هذ الشيخ الَّذي ظهر لنا في هذا العصر، وملأ العالم بكتب يؤلفها، ومقالات يسطرها، وقصص يدونها، وشعر يتغنى به أو يستخدمه للإلهاب والإثارة، أو أحاديث للإذاعة والتلفاز، أو خطب ينثرها من فوق المنبر؛ فتطير في النَّاس مبشرة ومنذرة، أو محاضرات يعدها في موضوعات هامة، يقرؤها على الخاصَّة والمهتمين لها؟

أفي رأسه عقل عالم شرعي حفظ القرآن وجوده وصلى به في الناس، وكثيرا ما فسره لهم، ووصلهم به، أوصله بنوره الَّذي يهدي، ومائه الَّذي يحيي، وقوته الَّتي تحرك، وحفظ السُّنَّة النبويَّة المبينة للقرآن، والمطبقة له، فهي تفسيره العلمي، وتطبيقه العملي.

أم هو فقيه انتقل من القرآن الكريم والسُّنَّة المطهرة إلى أرض النَّاس من حوله من آمنوا بالكتاب المنزل، وبالنبي المرسل، يسألونه فيجيب، ويتعلمون منه فيعلم، عنده لكل مشكلة حل من الفقه الواسع، ولكل مسألة إجابة من البحر الزخار.

له مذهب درسه وفهمه وهضمه، هو المذهب الحنبلي، أقرب المذاهب إلى النصوص، فهو يختار منه، وقد يتّسع الترجيح، وقد يرجع إلى مراجعه، حين يسأله إخوانه وطلابه وسائلوه، وقد يخرج من المذهب إلى الساحة الإسلاميَّة العامَّة، فيجد فيها ما قد لا يجده في المذهب. ويتسع لكل ذي بصر واجتهاد.
أم هو داعية لا يكتفي بدروس الفقه، ولكنَّه مبشر ومنذر كما كان الرسول الكريم والرسل من قبله، فهو يدعو ويخطب ويحاضر ويكتب، ويذيع وينشر، يدعو الفرد إذا لقيه، ويدعو الأسرة إذا زارها، ويدعو طلاب المدرسة أو طلاب الجامعة أو أبناء المدينة أو أبناء القطر، أو أبناء الرسالة حيثما كانوا.

أم هو أديب من أدباء العربيَّة، الَّذين لا يقتلونها باللغة الميتة أو الثقيلة، أو الخشنة، الَّتي لا تحبها الآذان، ولا تهواها القلوب، ولا تحتاج إليها الحكمة، ولا تطلبها المعرفة.
إنَّه الأديب الحقيقي الَّذي درس الشعر والنثر والأدب العربي في تواريخه وأطواره، واكتسب أصل ما عند العرب من بيان ومعان، وعبر عنها بأفضل ما عنده، وأعذب ما لديه، وأروق ما يملكه، ممَّا يشفي الصدور، ويثلج القلوب، ويروي الأرواح، وينير الضمائر، ويشد العزائم، ويحيي الهمم، ويخاطب الرجال والنساء، ويحرك الشباب والشيوخ.

أم هو عالم أو محاور من رجال الشاشات، الَّتي أطلت على الناس، فدخلت عليهم بيوتهم، وخالطتهم في مجالسهم، وأجابت عن أسئلتهم، وشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، وملأت حياتهم جدًّا وهزلًا، وحقائق وخيالات، واستخدمت أساليب لم يكن يعرفها النَّاس من قبل، فمثلوا وصوروا، وأحيوا التاريخ، وصنعوا تاريخًا جديدًا، أو تواريخ جددًا.

وهو في هذه الشاشات علم شامخ، وتاجر رابح، ونجم هاد، وسراج وهاج.
وله في هذه الشاشات أكثر من موقع، يطل عليك فيها داعية، أو فقيهًا، أو مفسرًا، أو أديبًا، أو شاعرًا، أو مؤلفًا. أو ما شئت ممَّا تعلم وما لا تعلم!

أم هو عالم من علماء الكونيات أو الإنسانيات أو الاجتماعيات، الَّذين يفسرون ظواهر الكون والحياة والإنسان، ويشرحون غوامضها للناس، ويكشفون ما لا بدَّ من سرائرها للعقول المتطلعة إلى الحكمة، المتعطشة إلى المعرفة، الموصولة بأسرار الكون ومعايش الناس، فلا يُستعصى عليه شيء منها، ولا يند عن فكره أشياء يصعب فهمها، فقد سهل الله له كل صعب، ويسر عليه كل عسير.

أم هو يا ترى فيلسوف متأمل في الكون وأعماقه، والإنسان وباطنه، والوجود وما فيه، والعلم وما وراءه، والدنيا وما بعدها، انفتح عقله ولم يغلق، وانفتح قلبه غير غافل، وانفتح ضميره ليستقبل درر مسك، وعرف أن لكل داء دواء، ولكلِّ مشكلة حلًّا، ولكل قفل مفتاحًا، فالخطأ كل الخطأ أن يضرب الأشياء بعضها ببعض، ويضرب الحقائق بعضها ببعض، ويضرب القواعد بعضها ببعض، والأولى أن يوفق بينها لتعمل معًا، وتسير معًا، وتتعاون معًا، وهذا هو ما عليه الوجود كله إذا تأملنا بعين العدل، وقدرنا لكل ذي حقٍّ حقَّه، وتمسكنا بكل شيء في حدوده من دون أن يتجاوز ما ليس أهلًا له، وبهذا نسير مع الحق ولا نعاديه، وينادينا ونناديه.

هذا هو سلمان العودة، الَّذي أعتبره أحيانا أخي، وأحيانا ابني، بحكم السن، هو في الحقيقة أخ عزيز، وابن حبيب، وصديق كريم، ولا مانع أن تجتمع هذه كلها في شخص واحد، كل منها باعتبار.

وكل الأشياء والتشقيقات الَّتي ذكرتها عن سلمان وشخصيته، لا أرى مانعًا أن يتصف بها كلها، فهو يأخذ بكل منها بقسط مناسب.

فهو ابن العروبة المتحضرة الَّذي لا ينسى أصالته النجدية القصيمية البردية.

هو ابن الجامع والجامعة، فهو العالم القرآني السني المستكمل لمعارف القرآن والحديث، الفقيه في أحكامها، المتمذهب بالمذهب الحنبلي، والَّذي لا مانع لديه أن يخرج عنه إذا ضاق به، ليسعى في آفاق الشريعة ومذاهبها المعروفة، وخارج مذاهبها.
وهو مع تفقهه المعتدل، داعية موهوب، يحدث العقول والقلوب، ويخاطب كل الفئات بلسانها ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [إبراهيم:4].

وهو أديب لا يتكلف الأدب، ولا يقحم نفسه فيه وهو لا يحسنه، بل هو بطل من أبطاله نثرًا وشعرًا، كما يشهد بذلك كل ذي نظرة أدبيَّة.

وهو عالم إنساني واجتماعي بحكم اتساع ثقافته، ودوام قراءته، وتواصله مع العالم، فأصبح مشاركًا في الثقافة العامَّة، عربية وغير عربية، لا يسعه أن يتخلف عنها.

وهو في النهاية من أولي الألباب، وذوي العقل والحكمة، له فلسفته الإسلاميَّة الَّتي يفسر بها كل ما حوله وما فوقه، وما تحته، وما قبله وما بعده.
ألهمه الإسلام هذه الفلسفة المعبرة عن الكون وخالقه والحياة وما بعدها، والإنسان ورسالته الَّتي كلَّفه الله بها…

ماذا أكتب عن كتب الشيخ سلمان؟ وقد ملأت كتبه المكتبات في بلاد العرب والإسلام، وملأت أحاديثه الإذاعية والتلفازية والإلكترونيَّة المكتبات الإلكترونيَّة في القنوات والأسواق، والمدارس والجامعات، والبيوت وممتلكات الأفراد في بلاد العرب وأنحاء العالم.

كتب الشيخ سلمان بما لها من حلاوة، وما عليها من طلاوة، وما فيها من عذوبة، وما تمتاز به من تنوع، يخاطب كل فئة من الرجال والنساء، ومن الشيوخ والشباب، ومن رجال المدن والقرى، ومن أهل الحضر البدو، ومن الأساتذة الكبار، ومن الأميين الَّذين لا يستطيعون القراءة، كل هؤلاء يتتلمذون على الشيخ سلمان وإخوانه، من الأفذاذ المعروفين، الَّذين يقولون الحق، ويدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر.

ولا أستطيع الآن في زحمة أعمالي، وما ينوء به ظهري، أن أتتبع بعض كتبك الَّتي كثرت وانتشرت، كما ينتشر النور، وأنت يا أخي وراءها تنشرها بكل سبيل، وتفتح لها كل باب، والله يؤيدك بروح منه.

والشيخ سلمان من كتاب المقالات المعدودين، كالعقاد في مقالاته السياسيَّة، والغزالي في مقالاته الإسلاميَّة…

قرأت بعض هذه المقالات، واستمتعت بها، كما أستمتع بكل ما يكتبه سلمان.

وربَّما لا يؤخذ هذا دليلًا على جودة سلمان فيما يكتب؛ لأنَّ شهادة المحب لمن يحبه، قد يعتريها الكلام، ولكنِّي أشهد الله تعالى أنِّي قبل أن أحب الشيخ سلمان أحببت إنتاجه وأدبه، وشعره ونثره، وفهمه للقرآن والحديث، وتعبيره عنهما، فهذه شهادة المحب العارف بمن يحب، الَّذي يعجبه الجمال البارع، والحسن الفائق، الَّذي لا يسع كل من يراه إلَّا أن يقول: سبحان من خلق فصور.

ولعلِّي أرجع مرَّة أخرى إلى كتب الشيخ سلمان أو بعض كتبه لنتحدث عنها وننوِّه بها، ونحث النَّاس في المشارق والمغارب على قراءتها، وعلى طباعتها، وعلى توسيع نطاق الانتفاع بها. فهذا واجب الأمة الإسلاميَّة ـ أمتنا ـ في هذا العصر.

لا أملك يا أخي سلمان إلَّا أن أدعو الله لك في الصباح والمساء أن يغفر لك ويرحمك، ويهديك للَّتي هي أقوم، ويجعلك من الَّذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه، ومن الَّذين يدعون إلى الله على بصيرة، ويؤمنون بالإسلام عن بيِّنة، ويدعون إلى الحقِّ والخير والرشد، على هدى، مع الَّذين أنعم الله عليهم من النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا. اللهمَّ آمين…

#المقدمات_يوسف_القرضاوي مع شيء من الاختصار، انظر: (صـ 715 وما بعدها)، وهي مقدمة للقرضاوي لكتاب #علمني_أبي_مع_آدم من الطين إلى الطين لسلمان العودة
#الأعمال_الكاملة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى