سُم العزائم

الشيخ د/ ونيس المبروك
كل تاجر حاذق ، لابد أن يتخذ أياماً يُراجع فيها تجارتَه ويَجْرُد درجات أرباحه ودركات خسارته، ويُعيد تقييمَ أعماله و كفاءة عُمّالِه، ويغربل فيها علاقاته، ويلقي نظرةً على ما استجد في السوق وما طرأ من حاجات الناس .
والمؤمن الصادق كذاك التاجر الحاذق وتجارته مع الله سبحانه الذي أعطاه رأس المال ومنحه الربح ووعده الجزاء ، فالمؤمن يعلم يقينا أنه عما قريب سيغادر مزرعة الدنيا ويترك تجارته ويقفل متجره، ليتقاسمها الورثة غنيمة بادرة من بعده، ثم يقف بين يدي ربه ليُوفيَه حسابه، ويسأله عن مثقال الذرة من الخير والشر .
مع بداية العام الهجري الجديد، نجد فرصة لوقفات ” جَرْد ”
نقيم فيها مُساءلةً صادقةً مع النفس، ومراجعات جادة في علاقتنا مع الأخرين، فنراجع أعمالنا الظاهرة والباطنة، ونحصي – قدر وسعنا – الصالح والسيء من أفعالنا وأقوالنا، ونراجع ما علَق بخواطرنا وجد من علومنا ، فإن وجدنا خيرا شكرنا الله ،وثابرنا طلبا في المزيد، وإن وجدنا غير ذلك اعترفنا بذنوبنا وتُبنا إلى الله وعزمنا على ترك تلك التجارة الخاسرة وغادرنا سوقها.
وخير ما نستقبل به عامنا الجديد، العزم على عمل الخير ابتغاء مرضات الله وحده، دون تطلع لثناء الناس وشكرهم، أو تَشَوُفٍ لإعجابهم ورضاهم
ولنحذر أمراض القلوب وعلل النفس، فإن الله تبارك وتعالى قد يدلك على الخير، ولكن يحرمك الاستطاعة؛ فيمنعك المرض أو العجز عن فعل ما تتمنى ، …..
وقد يمنحك الاستطاعة ويسلب منك التوفيق؛ فتعرف الخير وتتمناه ولكن لا تستطيع القيام به، ….
وقد يوفقك الله لفعل الخيرات وترك المنكرات ولكنه يرده عليك و لا يقبله منك، لِمَا خالطَ نيتك من رياءٍ وكبر، أو غرور وعُجب، أو تطلّع لشهرة ومدح، قال تعالى ” وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ”
فلنصنع من عامنا الهجري الجديد فرصة لتجديد الإيمان وتغيير السلوك والعفو على الناس، وأعادة ترتيب الفوضى في داخلنا قبل ترتيب ما حولنا .
ولنحذر اليأس فإنه “سُم العزائم” ،
ولنحسن الظن بالله الكريم فإنه عند ظن عبده به .
كل عام وأنتم إلى الله أقرب وأحب .