شهر رمضان فرصة للتجديد الروحي والاجتماعي

أ. محمد العوامي
قال الله تعالى:
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} [سورة البقرة، الآية 185]
هذه الآية تُبيِّن أن رمضان هو الشهر الذي أُنزل فيه القرآن، مما يمنحه مكانةً خاصةً عند الله تعالى.
إنه شهر الخير والبركات، ينتظره المسلمون كل عام بقلوب عامرة بالإيمان والأمل.
ليس رمضان مجرد شهر للصيام عن الطعام والشراب، بل فرصةٌ ذهبيةٌ للتجديد الروحي، وتعزيز العلاقات الاجتماعية، والتقرُّب إلى الله، فالقلب كمرآة، إن لم تُنظف تتراكم عليها الغشاوة.
استقبال هذا الشهر الفضيل يتطلب استعدادًا نفسيًّا وروحيًّا، مع تخطيطٍ عمليٍّ لتحقيق أقصى استفادةٍ من أيامه ولياليه، قال أحد الشعراء في روح رمضان:
○ أَتَى رَمَضَانُ مَزْرَعَةُ الْعِبَادِ ◇ لِتَطْهِيرِ الْقُلُوبِ مِنَ الْفَسَادِ.
○ فَأَدِّ حُقُوقَهُ قَوْلاً وَفِعْلاً ◇ وَزَادَكَ فَاتَّخِذْهُ لِلْمَعَادِ.
○ وَمَنْ زَرَعَ الْحُبُوبَ وَمَا سَقَاهَا ◇ تَأَوَّهَ نَادِمًا يَوْمَ الْحَصَادِ.
✔️ شهر رمضان ليس مجرد أيام عابرة، بل هو رحلة نحو النقاء والتقرب إلى الله. كيف يمكن أن نتهيأ لها؟
¤ الاستعداد الروحي لشهر رمضان: قبل أن يهلَّ هلال رمضان، ينبغي للمسلم أن يستعد روحياً عبر:
1. التوبة الصادقة: بوابة الاستقبال الأولى، على المسلم أن يُحسن علاقته مع الله، ويُقلع عن الذنوب، ويعزم على عدم العودة إليها. قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].
2. الدعاء: الدعاء مفتاح الرحمة، خاصة عند الإفطار، من الأوقات التي يُستجاب فيها الدعاء،اسأل الله أن يجعل رمضان بداية جديدة، يملؤها الخير والتوفيق، وينبغي للمسلم أن يدعو الله أن يبلغه رمضان، وأن يعينه على صيامه وقيامه، “جاء في لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي: وكان النبي ﷺ يبشر أصحابه بقدوم رمضان، كما خرجه الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي ﷺ يبشر أصحابه يقول: “قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها، فقد حرم”
“وقال معلى بن الفضل: كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ويدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم.”
“وقال الإمام يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان ، وسلم لي رمضان وتسلمه مني، متقبلا.” انتهى من “لطائف المعارف” (ص 148)
أيضا الحمد والشكر على بلوغه: قال النووي رحمه الله في كتاب الأذكار: (اعلم أنه يستحب لمن تجددت له نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة أن يسجد شكراً لله تعالى، أو يثني عليه بما هو أهله)
و قال النبي ﷺ: “ثلاثة لا تُرد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم”. رواه الترمذي.
3. تهيئة النفس بالعبادات: يمكن للمسلم أن يبدأ بزيادة العبادات في الأشهر التي تسبق رمضان، مثل صيام أيام النفل، وقراءة القرآن، والإكثار من الذكر والدعاء.
¤ الاستعداد العملي لشهر رمضان: بالإضافة إلى الاستعداد الروحي، هناك استعداد عملي لا بد منه لاستقبال رمضان بشكل مثالي فهل التحضير العملي ضروري؟ من يدخل المعركة دون تخطيط؟ الاستعداد البدني والروحي يجعلك ثابتًا كالجبل.
{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}، خطط لصيامك لتكون أكثر انضباطًا.
1. تنظيم الوقت: رمضان فرصة لتعويد النفس على الانضباط. يمكن وضع جدول يومي يتضمن أوقات الصلاة، وقراءة القرآن، والأعمال اليومية، بحيث لا يطغى جانب على آخر.
2. التخطيط المالي: يُفضل تخصيص ميزانية للصدقات والإفطار الجماعي، ومساعدة المحتاجين، خاصة أن رمضان هو شهر العطاء والتكافل الاجتماعي.
3. التغذية الصحية: ينبغي الاهتمام بتناول وجبات متوازنة في السحور والإفطار، وتجنب الإفراط في الطعام الذي قد يؤدي إلى الخمول والكسل.
¤ رمضان شهر القرآن والعبادة: رمضان هو شهر القرآن، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].
لذلك، ينبغي على المسلم أن يجعل له وردًا يوميًا من تلاوة القرآن، مع التدبر في معانيه، ومحاولة ختمه أكثر من مرة خلال الشهر.
كما أن قيام الليل من أعظم العبادات في رمضان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ رواه البخاري، ومسلم. لذلك، يُستحب الاجتهاد في صلاة التراويح والتهجد، والاستفادة من أوقات السحَر في الدعاء والاستغفار.
والعشر الأواخر من رمضان فقد كان النبي ﷺ يجتهد في العشر الأواخر من رمضان، ما لا يجتهد في غيرها، ومن ذلك أنه كان يعتكف فيها ويتحرى ليلة القدر خلالها، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره. روى البخاري ومسلم وزاد مسلم (وجَدَّ وشد مئزره).
وقولها “وشد مئزره” كناية عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد فيها زيادة على المعتاد، ومعناه التشمير في العبادات. وقيل هو كناية عن اعتزال النساء وترك الجماع. وقولهم “أحيا الليل” أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها.
¤ رمضان شهر التكافل الاجتماعي: رمضان ليس فقط شهر العبادة الفردية، بل هو أيضًا شهر التكافل الاجتماعي. يتجلى ذلك في:
1. الإفطار الجماعي: حيث يتجمع الأهل والأصدقاء على مائدة واحدة، مما يعزز أواصر المحبة والأخوة.
2. مساعدة المحتاجين: من خلال الصدقات وإفطار الصائمين، عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (من فطر صائما كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا) رواه الترمذي وابن ماجه وابن حبان.
وعند ابن خزيمة والنسائي بلفظ: (من جهز غازيا أو جهز حاجا أو خلفه في أهله أو فطر صائما، كان له مثل أجورهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيء).
3. صلة الأرحام: رمضان فرصة لصلة الرحم، وزيارة الأقارب، وإصلاح العلاقات الاجتماعية.
عن أبي هريرة رضِي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر، فليَصِل رحمَه))؛ رواه البخاري ومسلم
فأنظر كيف جعَل النبيُّ ﷺ في هذا الحديث صِلَةَ الرَّحِم من واجِبات الإيمان وعَلاماته.
رمضانُ .. انطلاقةٌ نحو الأفضل….استقبِل رمضان بقلبٍ مُشرق، وهمةٍ عالية، وخطط لتحقيق أقصى استفادة من أيامه. اجعل منه محطةً للتغييرالروحي والاجتماعي، استقبِل رمضان بقلب عامر بالإيمان، ونفي مشتاقة إلى رحمة الله ومغفرته. إن هذا الشهرٌ يُعَدُّ فرصةً ذهبية للتغيير الإيجابي في حياة المسلم، سواء على المستوى الروحي أو الاجتماعي. فلنحرص جميعًا على استغلال هذا الشهر الفضيل بما يُرضي الله، ونجعله نقطة انطلاق نحو حياة أكثر قربًا من الله، وأكثر إفادة لأنفسنا ولمجتمعنا، رمضان شهر ومحطة للارتقاء، طهر قلبك، هيئ جسدك، وارتقِ بروحانية الصيام، وهو فرصةً فلْيكن شهرًا لـ:
– تطهير القلب من الذنوب.
– تقوية الصلة بالله والقرآن.
– بناء جسور المحبة المجتمعية.
رمضان مبارك.. كل عام وأنتم إلى الله أقرب!