مقالات

صلة الرحم…… والنسيج الاجتماعي عوامل طاعة توصل إلى الله

صلة الرحم…… والنسيج الاجتماعي عوامل طاعة توصل إلى الله

أ. فرحات الهوني

إن من أعظم ما ابتليت به بلادنا في السنوات الأخيرة بعد الحروب وسفك الدماء والقتل والتهجير هي قطع الرحم وتمزق النسيج الاجتماعي، وهي مصيبة عظيمة انتشرت في مجتمعنا المسلم في السنوات الأخيرة حتى أصبحت ظاهرة…ويعتبر عز وجل أن الذين يصلون أرحامهم إنما يفعلون ذلك من خشيته ومخافة عقابه، وصلة الرحم من أهم الشعائر الاجتماعية التي أمر بها الإسلام من أجل الحفاظ على الأسر والمجتمعات من الانهيار، غير أن هذه الصلة المقصود منها عدم القطيعة بين الأقارب وقد تلاشى وجودها الآن بين أبناء المجتمع المسلم فقط، بل تعدته إلى أبناء الأسرة الواحدة.
قال تعالى: “وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ”.
ويعتبر سبحانه وتعالى أن قطع صلة الرحم من الفساد في الأرض قال تعالى: “فهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم.ْ”.
وقال تعالى: “وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ”.
ويقول: “وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ”
والواقع شاهد بهذا الفساد واللعنة التي تصاحبنا منذ أن تفشت فينا قطيعة الأرحام نهيك عن عقاب الآخرة.
يقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية: “..أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على صلة رحمه وزيارة أصدقائه جميع أيام السنة، وفي شهر رمضان على وجه الخصوص، وأن صلة الرحم للشخص المسلم واجبة فيما يتعلق بالأقارب من جهة الأصل، وأبيه وإن علا، وفروعه كأبنائه وبناته، وإن نزلوا، وأيضًا ما يتبعهم من الأخوات، والأخوال والخالات والأعمام والعمات، وما يتبعهم من أولادهم، مشيرًا إلى أن الله تعالى أكد على صلة الرحم وحث عليها في الكثير من الآيات القرآنية ومنها قوله تعالى: “واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل”، وقوله تعالى: “واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا”.
وأضاف أيضاً الدكتور أحمد: “أن صلة الرحم لها فوائد كثيرة أهمها أنها تزيد في العمر، وتوسع في الرزق لقوله صلى الله عليه وسلم: “من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه”، كما أن قطعها له أضرار كثيرة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة قاطع رحم”، وقوله أيضًا: “إن أعمال أمتي تعرض عشية الخميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم”.
فصلة الرحم كما هو معروف هي نواة المجتمع المتماسكة بعد الأسرة، ولهذا حث عليها رسول الله صلى الله عليه، يقول عليه الصلاة والسلام: “الرَّحمُ معلَّقةٌ بالعرش تقولُ: مَن وصلني وصله اللهُ، ومَن قطعني قطعه اللهُ”، ومن منا يُطيق أن يقطعه الله؟، فالقطيعة للأرحام تسبب القطيعة مع الله تعالى.
قد يكون الأمر عند البعض هينًا وأنه علاقة إنسانية وانتهت وهذا سوء فهم ومخالفة شرعية، ولقد رأينا من يقطعون أرحامهم ويمزقون نسيجهم الاجتماعي لفتات الدنيا أو لمجرد أن خالفتهم في نمط حياتهم الاجتماعية أو توجهاتهم الفكرية أو السياسية وما لم ينزل الله به من سلطان ويكاد يجعل من ذلك مفاصلة عقيدة كفر وإيمان.
وقالت الدكتورة آمنة نصير أستاذ الفلسفة الإسلامية والعقيدة بجامعة الأزهر: “..أن صلة الرحم واجبة على جميع المسلمين تجاه أقاربهم وجيرانهم، كما أنها مستحبة أيضًا لغير ذلك للأصدقاء ولجيرانك من الديانات الأخرى، لأن المعاملة الحسنة لا تقتصر على المسلمين فقط، وإنما أيضًا يجب أن تشمل جميع من تتعامل معهم”، وأضافت، “أن صلة الرحم تغفر الذنوب وتكفر الخطايا”.
وأشارت أيضًا الدكتورة “إلى أن الشخص القاطع لرحمه تقع عليه عقوبات كثيرة من قبل خالقه سواء في الدنيا أم الآخرة، ففي الدنيا، لا يرفع له عمل، ولا يقبله الله، ولا تنزل عليه الرحمة، ويعجل له العقاب في الدنيا قبل الآخرة، كما أن أبواب السماء معلقة أمامه، أما في الآخرة، فلا تفتح له أبواب الجنة أولاً، ولا يكون أول الداخلين إلى الجنة إن كانت أفعاله حسنة، لأنه قطع رحمه”.
وفي حديث رواه أبو هريرة أن رجلاً قال: “يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلُم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهم المَلّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك” ….ومعنى (يسفهم المل) أي الرماد الحار.
وهذا حث من رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلة الأرحام ولو قاطعوك أو أساؤوا وجهلوا عليك فمعية الله معك ظهيرًا ما دمت تصلهم.
ونذكر هنا أهم الآثار المترتبة في صلة الرحمة في النسيج الاجتماعي هي:
• انتشار الألفة بالمجتمع: وهي من ضمن الفوائد الكثير لصلة الرحم، والاستمرار بصلة الرحم ينشر المودة والرحمة بين أفراد المجتمع مما يؤدي إلى ترسيخ المبادئ السامية من مودة ورحمة.
• عدم انتشار الحقد: تعمل صلة الرحم على عدم تفشي الحسد والحقد والمشاعر السلبية الضارة في المجتمع، فمثلا الفقير يساعده أهله في النفقة، والمريض يزوره أهله، وبهذا تسود مشاعر الألفة والمودة
وأجمل ما قيل في صلة الرحم:
يقول المقنع الكندي:
وحَسْبُكَ من ذلٍّ وسوءِ صنيعةٍ
مناواةُ ذي القربى وإن قيل: قاطعُ
ولكنْ أواسيه وأنسى عيوبَه
لِتُرْجِعَهُ يوماً إليَّ الرواجعُ
ولا يستوي في الحكِم عبدانِ:
واصلٌ وعبدٌ لأرحامِ القرابةِ قاطعُ
وقال:
وإن الذي بيني وبين بني أبي
وبين بني عمِّي لَمُختلفٌ جِدّا
إذا قدحوا لي نارَ حربٍ بزندهم
قدحت لهم في كلِّ مكرمةٍ زندا
وإن أكلوا لحمي وَفَرْتُ لحومَهُمْ
وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا
ولا أَحْمِل الحقدَ القديمَ عليهمُ
وليس رئيسُ القومِ مَنْ يَحْمِلُ الحقدا
وأعطيهمُ مالي إذا كنت واجداً
وإن قلّ مالي لم أكَلّفْهمُ رِفْدا
وقال آخر:
لا خير في قربى بِغَيرِ مَودَّةٍ
ولرب منتفع بودّ أباعد
وإذا القرابة أقبلت بِمَودةٍ
فأشدد لها كفّ القَبُولِ بِسَاعد
وقال آخر:
يمضي أخوك فلا تلقى له خلفاً
والمالُ بعد ذهاب المال يكتسبُ

إن صلة الرحم تكون أيضاً بسلامة الصدر وحسن الظن والعشرة الطيبة والتواضع والتغافل وهي من الوفاء حتى لمن توفاه الله من آباءنا وأمهاتنا.
وأخيراً لابد من غرس قيم مشتركة بين أعضاء المجتمع، وضبط معايير الخير والشر لتتحقق الثقة ويتحقق الانسجام.
إن ما جعل مجتمعنا صامدًا كل تلك السنين ليس النفط وحده، ولا خطط التنمية المتواضعة، إنما الرأسمال الاجتماعي الذي توارثه عبر الأجيال وتمسك به في صورة قيم دينية واجتماعية، أهمها تقديس الأسرة والعلاقات الاجتماعية والثقة المتبادلة.
نسأل الله أن يؤلف بين قلوبنا ويصلح ذات بيننا وأن يهدنا سبل الرشاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى