أخبار الجمعيةاجتماعيةالكلمة الأسبوعيةعامقضايامقالات

عاشوراء بين الضعف والقوة

عاشوراء بين الضعف والقوة
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (لَمّا قَدِمَ النبيُّ ﷺ المَدِينَةَ وجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ عاشُوراءَ، فَسُئِلُوا عن ذلكَ، فَقالوا: هذا اليَوْمُ الذي أظْفَرَ اللَّهُ فيه مُوسى، وبَنِي إسْرائِيلَ على فِرْعَوْنَ، ونَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا له، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: نَحْنُ أوْلى بمُوسى مِنكُمْ، ثُمَّ أمَرَ بصَوْمِهِ). متفق عليه
فكان هذا الصيام فيه معنى الشكر والتعظيم لله تعالى على ما أنعم به على موسى عليه السلام وقومه من النجاة والظفر على فرعون وجنده، وفيه أيضا معنى الوراثة، فأنبياء الله هم سلسلة متصلة يدعون إلى شيء واحد وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبودية، بالإضافة إلى أن شكر الله لا يكون إلا بطاعته، وقد (َسُئِلَ رسول الله ﷺ عن صَوْمِ يَومِ الاثْنَيْنِ، قالَ: ذاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ). رواه مسلم.
إن درس عاشوراء ونجاة رسول الله موسى عليه السلام وقومه من جبروت وطغيان فرعون ليعلمنا أن الضعيف لا يبقى ضعيفا إلى الأبد، والقوي كذلك، كما أنه يبعث الأمل في نفوس المستضعفين الذين يسعون لتنسُّم عبق الحرية والكرامة، ويعطيهم القوة للاستمرار في العمل وبقوة للوصول إلى ما يريدون. لقد عاش بنو إسرائيل عقودا من الزمان في ظل عبودية فرعون وذاقوا أنواع الهوان والذل، حتى استمرأته نفوسهم وتشربته عقولهم، فركنوا إليه، وقبلوا به، حتى جاء رسول الله موسى وأخوه هارون عليهما السلام، وطالبا فرعون ﴿أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِے إِسْرَآءِيلَۖ﴾ الشعراء 16، وظل موسى يطالب ويدعو، وواجه كل أنواع الضغط والإكراه، فكانت معاناته مع بني إسرائيل لا تقلّ صعوبة عن معاناته مع فرعون وملئِه، وأمده الله بعدد من المعجزات الحسية، فلم يُجْدِ ذلك معهم شيئا، وكان توجيه موسى لقومه ﴿يَٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ ءَامَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَۖ، فَقَالُواْ عَلَي اَ۬للَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةٗ لِّلْقَوْمِ اِ۬لظَّٰلِمِينَۖ، وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ اَ۬لْقَوْمِ اِ۬لْكَٰفِرِينَۖ﴾، فكان التوجيه الرباني بعد ذلك ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيٰ مُوسَيٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بِيُوتاٗ وَاجْعَلُواْ بِيُوتَكُمْ قِبْلَةٗ وَأَقِيمُواْ اُ۬لصَّلَوٰةَۖ وَبَشِّرِ اِ۬لْمُؤْمِنِينَۖ﴾، وفي هذا التوجيه ما فيه من الدلالة بوحدة الوجهة ﴿وَاجْعَلُواْ بِيُوتَكُمْ قِبْلَة﴾، والاستمساك بحبل الله ﴿وَأَقِيمُواْ اُ۬لصَّلَوٰةَۖ﴾، والثقة بالله والاستبشار بالنصر﴿َوبَشِّرِ اِ۬لْمُؤْمِنِينَۖ﴾.
إن يوم عاشوراء يخبرنا بأن الذين يريدون تغيير واقعهم، والانتقال إلى حال أفضل لابد أن يعملوا بجد واجتهاد لتغيير نفوسهم، وينزعوا من نفوسهم الخوف والخنوع، ويكون ارتباطهم بمصدر القوة الحقيقية وهو الله تعالى، كما أن الثقة بالله تعالى أساس في معية الله تعالى، وهذا كان واضحا في قول موسى عندما شعر قوم موسى عليه السلام باليأس، حين قالوا ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَۖ﴾، فكانت إجابة الواثق موسى عليه السلام بربه ﴿كَلَّاۖ إِنَّ مَعِے رَبِّے سَيَهْدِينِۖ﴾.
ما أروع أن نشهد ذلك النموذج الخالد من الثبات والصبر، والاستمساك بالعروة الوثقى، والاستهانة بما عداه من أمور الدنيا في سبيل الإيمان والحق، فتكون تلك الكلمة التي قالها سحرة فرعون حين بزغ نور الحق في قلوبهم، وأبصرت عيونهم الحقيقة في أبهى صورها ﴿لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَيٰ مَا جَآءَنَا مِنَ اَ۬لْبَيِّنَٰتِ وَالذِے فَطَرَنَاۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍۖ إِنَّمَا تَقْضِے هَٰذِهِ اِ۬لْحَيَوٰةَ اَ۬لدُّنْيَاۖ، إِنَّا ءَامَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَٰيَٰنَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ اَ۬لسِّحْرِۖ وَاللَّهُ خَيْرٞ وَأَبْقَيٰۖ﴾ طه 71-72، فإذا وُجِد ذلك كانت النهاية المبشرة والعاقبة المفرحة والانتصار الكبير، وتحقق الحلم بصورة يعجز الخيال عن إدراكها ﴿اِ۪ضْرِب بِّعَصَاكَ اَ۬لْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٖ كَالطَّوْدِ اِ۬لْعَظِيمِۖ، وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخرين، وَأَنجَيْنَا مُوسَيٰ وَمَن مَّعَهُۥ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا اَ۬لْأٓخَرِينَۖ، إِنَّ فِے ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَۖ﴾ الشعراء 63-67،
إن إحياء ذكرى عاشوراء يحيي في النفوس الهمة، ويبعث الأمل، ويزيد من الثقة في موعود الله تعالى، فهل نعي الدرس ونعمل على تحقيق ما هو مناط بنا؟ فيحقق الله لنا ما نريد ونرجو من الخير والنصر والسؤدد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى