قضايا

فتوى: حكم تهنئة الكيان الصهيوني الغاصب بذكرى احتلاله فلسطين وتأسيس كيانه

فتوى: حكم تهنئة الكيان الصهيوني الغاصب بذكرى احتلاله فلسطين وتأسيس كيانه

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه من اهتدى بهديه، وبعد:

ونحن في الذكرى 75 الأليمة لإعلان احتلال الكيان الصهيوني العنصري لمعظم أراضي فلسطين المحتلة، ومع اتساع وتنامي دائرة المطبعين مع هذا الكيان المحتل لقطعة عزيزة من دار الإسلام تضم بيت المقدس -أرض القبلة الأولى ومسرى نبينا ﷺ- نجد أنه من واجبات الوقت أن يبين العلماء الحكم الشرعي في تقديم التهاني من أفراد أو مؤسسات أو دول لهذا الكيان الغاصب بمناسبة ذكرى تأسيسه على أرضنا المحتلة.

ولا بد أن نشير أولًا أن احتياجنا للتذكير بالحكم الشرعي لهذه المسألة التي تعتبر من البدهيات المعروفة لكل مسلم -سوي التفكير سليم العقيدة- منشؤه حالة الضعف العام التي تسود العالم الإسلامي، وتولّي سدة الحكم في بعض دوله مَن قَلَبَ ظهره لأحكام الشريعة فابتعدوا عن تطلعات شعوبهم، واتخذوا من عدو الأمة الإسلامية وليًا من دون الله والمؤمنين، مع تحريك آلة إعلامية ضخمة تشوه الحقائق وتحارب المصلحين؛ إذ لا يعقل أن يبارك مسلم عاقل لعدو محارب بذكرى اغتصابه لجزء من دياره وديار المسلمين، فهي ذكرى تسببت بتشريد ما يزيد عن مليوني فلسطيني أصبحوا لاجئين في عدد كبير من دول العالم، هذه الذكرى التي ذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء بين قتيل وجريح، إن الكيان الصهيوني الغاصب قام على أشلاء الفلسطينيين وعلى وقع المجازر والمذابح التي نفذتها العصابات الصهيونية بحقهم، وهل تبارك الضحية للجلاد وحشيته وجرائمه!! وهل يتقدم المظلوم لشكر الظالم!! نعم إن ذكرى تأسيس هذا الكيان الغاصب هي ذكرى مذابح نُفذّت بحقّ الأبرياء، هي ذكرى تشريد شعب ومحاولة إبادته، إنها ذكرى أليمة تصطدم بمشاعر كل عربي ومسلم وحر شريف في العالم.

وينبغي أن يكون حديثنا عن الواجب الشرعي تجاه هذا العدوان والاحتلال، وهو العمل على رفعه بكل السبل المتاحة، وبذل الموارد المالية والبشرية من أجل استنقاذ بيت المقدس وكل فلسطين من ربقة هذا الاحتلال البغيض، والعمل على فضح ممارسات هذا الكيان ضد أبناء شعبنا ومقدساتنا في جميع المحافل المحلية والإقليمية والدولية، فهذا هو الواجب الذي يرقى إلى فرض العين.

ونقول لمن يفكر في تقديم التهاني لدولة الاحتلال اتقوا الله فإنكم تقومون بجريمة نكراء، وتدخلون بذلك في دائرة منكر عظيم وكبيرة من أكبر الكبائر، لما في ذلك من:

إظهار الودّ والموالاة للعدو المحارب، قال تعالى: { لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [سورة المجادلة:22]، وقال عز وجل: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل } [سورة الممتحنة:1]. ولئن نهينا عن الإسرار إليهم بالمودة فكيف بالمجاهرة والإعلان! وقد أخبر النبي ﷺ أن المسلم لا يستكمل إيمانه إلا بذلك، فعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ» [الجامع الصغير 8289].
خذلان للمسلمين والمظلومين والمستضعفين، فقد أمرنا الله تعالى بردّ العدوان، قال تعالى: { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ } [سورة النساء:75]. وقد نهانا النبي ﷺ عن خذلان المسلمين، قال عليه الصلاة والسلام: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ» متفق عليه.
إضفاء للشرعية على جرائم الاحتلال المنكرة التي ارتكبها الكيان المحتل -ولا زال- ضد أهلنا في الأرض المحتلة، وهي تدخل في باب التعاون معهم على الإثم والعدوان الذي نهينا عنه، قال تعالى: { وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [سورة المائدة:2].
اعتراف ضمني بدولة هذا الكيان المحتل على أرض فلسطين وإقرار للغاصب والمعتدي على أفعاله، والرضا بوجود هذا الكيان الغاصب على الأرض الإسلامية، مما يستلزم الرضا بالتنازل عن أرض فلسطين وعن سائر حقوق الشعب الفلسطيني الذي أُخرج من أرضه بالحديد والنار. وهو مما أجمع على حرمته عامة علماء الإسلام منذ احتلال فلسطين إلى الآن. ومن ذلك فتوى مؤتمر العلماء المسلمين الأول في القدس الشريف بتاريخ ٢٦/1/١٩٣٥م، والتي صدرت عن كبار علماء المسلمين في العراق ومصر والهند والمغرب وسوريا وفلسطين والأقطار الإسلامية الأخرى، وجاء فيها: “من.. – رضي بالتنازل عن أي جزء من أرض فلسطين- وهو عالم بالحكم وعالم بنتيجته ومستحل له، فإن فعله هذا يستلزم الكفر والارتداد عن دين الإسلام، ولا يُصلى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين ويجب نبذه ومقاطعته واحتقار شأنه وعدم التودد إليه والتقرب منه، ولو كانوا آباء أو أبناء أو إخوانا أو أزواجا”. ومن ذلك أيضاً فتوى العلامة الدكتور يوسف القرضاوي -رحمه الله- في حكم التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين، بأنه ليس مجرد حرام، بل هو من أكبر الكبائر، التي تصل بمن يستحلها إلى الكفر الأكبر، ويتضاعف الإثم إذا تم ذلك بصفة جماعية، والأوطان لا تُباع بملء الأرض ذهباً. فكيف إذا كان هذا الوطن بلد المقدسات وأرض النبوات، الأرض التي بارك الله فيها للعالمين؟!
تحريض على الضلال، فالتهنئة مشتملة على تحريض الغاصب في احتلاله، وتحريض المطبّعين معه على ضلالهم، وعلى سنِّ بابِ شرٍ وضلالٍ وانحرافٍ عظيم. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قوله ﷺ: «وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»، وفي رواية: «وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».
ركون إلى العدو الظالم، فالركون لا يكون بالموالاة أو الهزيمة فقط، بل يتحقق كذلك بالميل والمحبة والمودة ولين الكلام وإظهار المودة، وكذلك بالمداهنة والمخالطة والمصاحبة والموافقة والتشبه بزيِّه والتعظيم له وتهنئته بأفراحه، فكيف إذا كان ما يُهنَّأ به هو يوم انتصاره علينا وهزيمته لنا؟! قال تعالى: { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُون } [سورة هود:113].
إن تهنئة العدو الصهيوني مشتملة على جملة كبيرة من المفاسد العامة الواقعة التي لا تقوم في مواجهتها أية مصلحة متوهمة من هذا الفعل المحرَّم، ومن هذه المفاسد:
١ – إسقاط حق المسلمين في المسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس وفلسطين.

٢ – إسقاط حق عودة اللاجئين.

٣ – إسقاط حق الفلسطينيين في الأراضي التي اغتصبت منهم.

٤ – الإقرار بالحق التاريخي المزعوم للصهاينة في فلسطين.

٥ – الإقرار بشرعية المجازر التي ارتكبها الكيان فهي ستغدو عملًا مشروعًا للحصول على الاستقلال وإقامة الكيان.

٦ – نفاذ القرارات والأحكام القضائية والقوانين الصهيونية التي ألغت الحقوق وصادرتها ولا يزال يكتوي بها المسلمون في فلسطين.

٧ – قبول الإقرار بيهودية الدولة وبالتالي عدم أحقية أي مسلم بالوجود فيها إلا على سبيل الزيارة أو الإقامة المؤقتة.

٨ – أحقية الصهاينة في المطالبة بحقوقهم وأماكن أجدادهم في الدول التي تعترف بدولتهم.

وإننا في هيئة علماء فلسطين نحذّر الأفراد والشخصيات والمؤسسات والحكام من مغبة الانزلاق في هاوية هذا المنكر العظيم المتمثل في تهنئة العدو باحتلاله جزءًا عزيزًا من دار الإسلام، هذا المنكر الذي تأباه الفطر السليمة والنصوص الشرعية.

{ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون } [سورة يوسف:21].

هيئة علماء فلسطين

24 شوال 1444هـ
الموافق 14 مايو 2023م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى