فضل الملحدين على المؤمنين..!!
بقلم أ.د. أحمد الريسوني(*)
جرى الحديث مؤخرا – وما زال جاريا- عن تأسيس بعض الحكام العرب مركزا ثقافيا للملحدين، واتخاذِ مصر الأزهر مقرا لهم ومنطلقا لنشاطهم..
https://www.facebook.com/share/v/Lk1MLiQhn8bNMcqC/?mibextid=WC7FNe
وقد توالت ردود الفعل المنددة بهذه المبادرة، والمحذرة من أصحابها وأهدافها.. وقد ذكر بعض العارفين أن هذا المركز هو نسخة معدلة من شقيقته (مؤسسة مؤمنون بلا حدود)، التي آلت إلى الفشل والضمور، منذ فضيحتها المدوية في الأردن..
ومن أهم ردود الفعل التي اطلعتُ عليها – حتى الآن – في هذه النازلة: البيانُ الصادر عن (اتحاد علماء الأزهر) بتاريخ 29شوال1445هـ، الموافق8 مايو2024م، وفيه “المطالبة بغلق (مركز تكوين العربي) ومحاسبةِ القائمين عليه”.
وعندما قرأت هذا البيان الصادرَ عن فئة من علماء الأزهر، واطلعت على عدد من ردود الفعل الأخرى، ومن المبادرات المضادة لمبادرة الملحدين ومركزهم، انتعشتُ وسُررت لهذه الهبَّة السريعة، ولهذه اليقظة أو هذا الاستيقاظ، وقلت في نفسي: هذا من “فضل” الملحدين على المؤمنين؛ يستفزونهم ويستثيرون غيرتهم وحميتهم، ويشحذون هِـمَمَهم، ويحركون مبادراتهم، فيأتون بخير كثير..
ثم تداعت في ذهني أمثلة عديدة لهذا “الفضل”، الذي يأتينا به الملحدون، وعلى ضد ما يخططون ويقصدون..
من ذلك: أن “حركة الزنادقة”، التي نشطت واستفحلت واستعلنت، منذ القرن الثاني للهجرة، قد استدعت حينذاك ردود فعل قويةً من لدن العلماء والمفكرين والدعاة، فكان ذلك سببا في تسريع النهضة العلمية والفكرية وإنضاجها..
وفي خضم تلك المعركة ظهر (علم الكلام)، الذي تصدى رواده وفرسانه لحركة الزنادقة وشبهاتهم.. وقد نقل أبو هلال العسكري عن الجاحظ: أن واصلَ بنَ عطاء – مؤسس مدرسة الاعتزال – هو أول من ألف عن أصناف الملحدين والخوارج وغلاة الشيعة.. (كتاب الأوائل ص 374).
وقد أبلى المعتزلة – وغيرهم من المتكلمين – البلاء الحسن في مواجهة حركة الإلحاد والزندقة، وشكلوا سدا منيعا في الدفاع عن الإسلام وعقائده وشرائعه، وصدِّ حملات الزنادقة والملحدين وإبطال مفعول سمومهم.
ثم أصبح علم الكلام علما قائما بذاته، متين البنيان، ثابت القواعد والأركان، قام بتحصين المعتقدات ومحق الشبهات. يقول العلامة ابن خلدون في (المقدمة): “وعلى الجملة فينبغي أن يُعلم أنّ هذا العلم الّذي هو علم الكلام غير ضروريّ لهذا العهد على طالب العلم؛ إذ الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا، والأئمّة من أهل السّنّة كفَونا شأنهم فيما كتبوا ودوّنوا…”.
ومقتضى قول ابن خلدون: أن علم الكلام هو الذي يتصدى لردع الملاحدة والمبتدعة، كلما ظهروا وأظهروا شبهاتهم، ورفعوا رؤوسهم وأصواتهم {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8]. وسلاحه في ذلك: العلم والعقل، والحجة والبرهان، وقوة البيان.
ومن ذلك: تذكرتُ أن موجة الإلحاد والماركسية، التي اجتاحت مدارسنا وجامعاتنا المغربية، خلال فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كان لها “الفضل” – بتحدياتها واستفزازاتها الإلحادية الوقحة – في ظهور الحركة الإسلامية، في صفوف الشباب والجامعيين.
ومن ذلك أن الدولة المغربية نفسَها قد استشعرت آنذاك خطورة المد الفكري اليساري الماركسي، فبادرت أولا إلى تأسيس (دار الحديث الحسنية)، ثم لاحقا (شعبة الدراسات الإسلامية).
واليوم تأتي حركة الزنادقة العرب، ذات التمويل البنزايدي السخي، لتوقظ كثيرا من النائمين، وتنبه كثيرا من الغافلين. فنرجو لها أن تتمكن من إيقاظ ما تبقى من الأزهريين، ومن علماء المسلمين، ومن تحريك طاقاتهم المعطلة، وجهودهم المؤمَّلة.
وإن طبول الإلحاد والملحدين، لا تضر الإسلام والمسلمين، بقدر ما تعطي فرصة ومناسبة لإفاقتهم، وتعبئتهم في جهود الإصلاح والتحصين والتحسن..
أما الذي يضر فعلا، فهو تسللهم الصامت، ومكرهم الخافت..
قال الله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
(*) أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية، ورئيس مركز الشهود الحضاري للدراسات الشرعية والمستقبلية.