عامقضايامقالاتمقالات الرأي

فكر كتائب القسام وتربيتها

 

د. شيروان الشميراني

من الواجب تعريف القسام للأمة المسلمة، وإن كانت قد عرفت نفسها أجلى تعريف، تعريف لو سُلِط عليها أسطع الأضواء وأكثرها تنويراً لما كان بالإمكان الوصول الى المرتبة التي هي عرفت بها عن نفسها خلال الشهور المنصرمة، لكن يجب الحديث عنها كجزء من الواجب تجاهها لأنها هي التي تمثل الجانب الصلب من إرادة الامة المسلمة، وصلت الى حال يمكن فيها القول إن كل إبن غيور عضو في القسام معنىً وإن لم كذلك مادياً، لا يتوقع الناس أنّ كتائب القسام مكوَّنة ،  من مجموعة مقاتلين لا يتقنون سوى ما تدربوا عليه من الأسلحة وطريقة استعمال البارود، فهي بنت حركة لها فكر ورؤية ومنهج للنظر والتربية، ترى تجسيد القيم والمباديء الإسلامية شرطاً وجوبياً، من خلال فهم يقوم على دراسة القرآن والسنة النبوية والتربية عليهما، إطارها الفكري هو شمولية مرنة في الفهم المعتدل، يتحرك في إطار الفهم الشمولي للإسلام، ” صدع إنتماءها” هو أن يكون الله الغاية في كل أعمالها، وفق الدستور القرآني وبالإقتداء بالرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم- وبما ان الجهاد هو السبيل، فإذن إن الموت في سبيل الله هو أسمى الأماني.

للقسام خصوصية منهجية في الفكر والممارسة، هذه الخصوصية تكمن خلفها غاية تحرير الأرض المقدسة، لهذا إن تربيتها تركز على المفاصل المؤثرة في أدائها، وإلقاء مزيد من الضوء والتأكيد عليها من أجل ترسيخها في البنية الفكرية والتربوية لأعضائها، وذلك لتتناسب مع الواجب المناط بهم وتلبي شروطها التي لاتشبه شروط غيرها، لأن مهمتهم لا تشبه مهمات الآخرين، وبما أنهم ليسوا مقاتلين فقط، فقد سبق تشكيلُ فكرهم وسلوكياتهم العمل النضالي في الميدان، ونحن نحاول توضيح ذلك من خلال إختيار موضوعي لمفردات تصورية وتربوية في منهجها، مرجعنا في ذلك هو كتاب ” ماذا يعني إنتمائي للقسام”:-

  • عقيدة الجزاء، ولابد لعقيدة الجزاء أن تَرْسَخَ في نفوس المجاهدين فهي التي تدفعهم إلى البذل والعطاء. ‏عندما يكون متيقن بأن الأجر محفوظ ومرصود عند الله سبحانه.
  • توكل وإقدام، وليس توكل المتكاسل الجبان وانما الذي ينتج الإقدام على العمل : ” كما نؤمن بأن لله صفات الكمال والجلال ما يدفعنا إلى التوكل عليه وأن نستيسر كل صعاب”. فمن يتوكل على الله فهو حسبه. ليس توكل التاجر بالمال وإنما توكل التاجر بالروح والحياة.
  • محبة الله، ومحبة الله سبحانه لن ترسم لها حدّ بل لابد من الإستزادة منها دون توقف، وبالنسبة للقسامي فإن الإستزادة من التعلق بالله هي المزيد من التضحية في سبيله والمسلم يحرص على الموت كما يحرص غيره على الحياة.
  • في البعد السلوكي فإن كتائب القسام وإن كانت مهمتها عسكرية وهي في الميدان يناضل مقاتلها ويخطط حاملاً السلاح ويهاجم مدافعاً عن الحق، لكن العنصر القسامي مسلم مؤمن وبحكم اسلامه عليه التخلق بالخصال العالية، وبحكم موقعه له رسالة يؤديها فهو ليس من شاكلة المقاتل العسكري المجرد تقتصر دائرة تربيته على التعبئة القتالية وفنون الحرب، فللمجاهد أخلاق وله رسالة حضارية يؤديها، ومن خلالها يقيم الشهادة على الناس، وعلى الامة المسلمة على وجه التحديد، كما أن لا قيمة لإيمان من غير خلق، لهذا كانت أمهات الأخلاق الإسلامية والإنسانية مندرجة كأسس مناهج التربية لدى كتائب القسام، أداءً للشهادة وإلتزاماً بموجبات الإيمان. مثلاً:-
  • الحلم والصبر حليم صبور لأنه إبن الدعوة التي يحملها لكل الناس. فهو داعية في موقعه.
  • الحياء، حفظ البصر والفرج، هاتان الصفتان أتت بأكلها وكانت حاسمة في إظهار البعد التربوي الإنساني لعناصر القسام عند التعامل مع الاسرائيليات الاسيرات أو المحتجزات التي جرفتهن طوفان الأقصى، إن الشهادات التي أدلين بها عقب إطلاق صراح عدد منهن عكست الخلق العالي والعفة الكاملة لعناصر القسام، نقيضاً ونقضاً لما حاولت مؤسسات الإعلام العالمية نفثها، ومن النصوص المباشرة في تربية القسامي: ( إعلم أن العين التي تنظر إلى الحرام لا ترى الهدف في سبيل الله ).
  • بما أن ساحات العمل الجهادي تخلق الأبطال وتعطي للناس شهرة وإسماً يلمع، هنا تكون الحاجة أشدّ إلى التواضع ومطاردة الكبر من القلب والغرور ولو كانت مثقال ذرة.
  • وكذلك “الجود والكرم” في شعب محاصر يحتاج إلى تهيئة عدة العمل التحريري، وفي سبيل إقتناع الناس بصدقهم تعمل كتائب القسام على جعل تقديم الخير لهم الشغل الدائم لا تنفك عنه.
  • والجهاد عند كتائب القسام لا يخرج من الإطار العام للفهم المتميز بالوسطية والإعتدال، فهي تحب الموت من أجل الحياة، أي أن الجهاد عندها وسيلة وليس غاية بحد ذاته، تتجنب الوقوع في تفريط فئة أرادت لأمة الإسلام أن يبقى حقها بلا قوة ومصحفها بلا سيف، وديارها بلا حرّاس وحرماتها بلا حماة، وفي المقابل تتجنب الوقوع في إفراط فئة ثانية تريد أن تقاتل المسلمين وأن تشن الغارة على الناس أجمعين، فهي لا تعلن الحرب على الشرق ولا على الغرب أو الأحمر والأسود، الجهاد عندها من أجل تحقيق الغاية المحددة بتحرير الأرض، من أجل فلسطين، فهو إذن:
  • فرض لردّ الإعتداء و ليس إعتداءً، انما لطرد الاحتلال من الأرض وهي قضية دينية وليست مجرّد وطنية بالمفهوم المتداول للوطن في الأدب السياسي، والمسجد الأقصى مرتبط ارتباطاً لا انفصام له بالمسجد الحرام، فهي ليست قضية أرض فحسب يمكن التنازل عنها، وإنما واجب ديني مرتبط بالحس والشعور الديني عند الانسان المسلم، وهذا فرق بارز بين القسام وغيرها ممن يتحركون حركة لصيقة بالأرض لا تصمد امام المغريات لا سيما بعد أن يدبّ اليأس ويدمر الأمل بالنصر في القلوب.لهذا تعتبر القسام العالمين العربي والإسلامي عمقاً ستراتيجياً لها، وشعوبها ظهيراً وسنداً. والمرأة جزء لا يتجزء من منظومة العمل المقاوم في منهج كتائب القسام أسوة بالصحابيات اللاتي جاهدن مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم-.

هؤلاء الأعضاء في كتائب القسام ليسوا من الهاربين من الحياة وتدبيرها، ولا من الفاشلين في مسائل العلم وشؤون الدراسة والترقي في نيل الشهادات الأكاديمية، وإنما هم من حملة الشهادات العليا من حفظة القرآن الكريم، وجهادهم ثمرة العلم والبحث والدراسة والتربية، بمعنى أن نضالهم قائم على الإلمام الكامل بالسنن والقوانين التي تحكم الحياة والمجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى