مقالاتمقالات فكرية

فلسفة المقاومة في الحضارة الإسلامية

 

 

 

فرج كُندي

 

تعريف ومعنى المقاومة في معجم المعاني الجامع.

اسم: مقاومة

مصدر: قاوم

مقاومة: المعارضة ورفض الخضوع لإرادة الغير.

للمقاومة بصفة عامة فلسفة خاصة، ومفاهيم متعددة الدلالات والمجالات، وهي تجمع كل معاني الدفاع عن النفس التي فُطرت عليها الكائنات الحية، وهي تعزيز لفكرة غريزة حب البقاء النوعي العام، أو حب الحفاظ على الهوية أو اللغة أو أي مكتسب موروث بين الأجيال الإنسانية ذات العلاقة المشتركة قد يجمعها دين أو لغة أو تاريخ مشترك (وطن).

وهو ما عبرت عنه الشريعة الإسلامية بقاعدة عامة جامعة مانعة وهي الكليات الخمسة التي توجب الحفاظ عليها وتشرع مقاومة أي اعتداء عليها بأي صورة من صور الاعتداء وهي: (الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال).

وهذه الكليات هي التي اتفقت الأديان السماوية وأصحاب العقول السليمة على احترامها وصيانتها وقد أجمع أنبياء الله تعالى ورسله من عهد آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم على وجوب حفظها؛ ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بمجموعة من التشريعات تصون هذه الضروريات وتحافظ عليها وتحميها، وهو ما يمكن أن نقول عنه (مقاومة).

تعريف المقاومة:

هي كل الأشكال والصور المدنية والعسكرية والثقافية التي تتخذها الشعوب المستعمرة (سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية وتربوية) ضد الوجود الاستعماري المباشر أو غير المباشر؛ فهي وسيلة حركات التحرير الوطني من أجل الاستقلال واستعادة السيادة وتحرير أراضيها و تحقيق تقرير مصيرها.

علاقة الفلسفة بالمقاومة

بوصفها شكلا من مقاومة الجهل والتعصّب والغطرسة الدينية والإيديولوجية من جهة، ومن جهة أخرى بوصف حق المقاومة هو مفهوم أنتجته الفلسفة السياسية الحديثة تحديدا.

والذي أقرت فيه بأحقية كافة الشعوب في تقرير مصيرها واختيار نظام حكمها، وبشرعية أخذ هذه الشعوب كافة التدابير (أنواع المقاومة) لتحقيق حريتها أو استرجاع حقوقها التي سلبت سواء من استعمار خارجي أو دكتاتورية محلية غاشمة تسلب الإرادة وتعتدي على الحقوق والحرمات.

الشريعة الإسلامية والمقاومة:

جاء اعتناء الشريعة الإسلامية بحقوق الإنسان وصيانة كرامته من خلال تقرير دفاعه عن نفسه وماله وعرضه ومقاومة ودفع كل من يعتدي عليه. قال تعالى:

“أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ” 39 الحج. وهذه الآية جاءت بعد أن كان المسلمون في أول أمرهم ممنوعين من قتال الكفار المعتدين عليهم بكافة أصناف الاعتداء الجسدي والمعنوي، مأمورين بالصبر على أذاهم، فلما بلغ أذى المشركين مداه وخرج النبي صلى الله عليه وسلم من “مكة” مهاجرًا إلى “المدينة”، وأصبح للإسلام قوة تمكنه من مقاومة المعتدين الظالمين أذن الله تعالى لهم في المقاومة ودفع العدو الصائل عليهم، وهو ما يعرف بجهاد الدفع (مقاومة).

قال: الإمام ابن جرير الطبري أذِنَ الله للمسلمين في القتال؛ بسبب ما وقع عليهم من الظلم والعدوان، وإن الله تعالى قادر على نصرهم وإذلال عدوِّهم.

وحدد رسول الله صلى الله عليه وسلم مواضع المقاومة التي إذا مات فيها المسلم نال الشهادة وارتقى درجات الشهداء قال: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل (أحد العشرة المبشرين بالجنة) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد) رواه أبو داوود والترمذي.

وهذا الحديث الجامع لجميع صور المقاومة الذي يشتمل على مقاصد الشريعة الكلية الخمسة (الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال). تمثل أوضح وأدق صور لحكمة – فلسفة – المقاومة المشروعة في دين الفطرة (الإسلام)، الذي تقره الفطرة الإنسانية وتعترف به كافة النظم والقوانين الدولية.

ولذلك شرعت المقاومة وحُرّم العدوان بكافة أشكاله وصوره المادية أو المعنوية التي تنتقص من حرية الإنسان وكرامته، وأُذن للمظلومين والمقهورين والمُعتدى عليهم بالمقاومة، ودفع العدوان بكافة الصور والأشكال والوسائل التي تحقق لهم حريتهم وتحفظ لهم أوطانهم وأنفسهم ودينهم الذي ارتضاه الله لهم، وما أهل غزة عنا ببعيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى