مقالاتمقالات تربوية

فهمنا للتربية…. من وحي ميثاق جمعية الإحياء والتجديد

فهمنا للتربية…. من وحي ميثاق جمعية الإحياء والتجديد

أ. فرحات الهوني

إن ما يمرّ به العالم اليوم من انحطاط أخلاقي وقيمي (وخاصة في بلاد المسلمين) راجع إلى أزمة الأزمات، التي تعاني منها البشرية، هي التربية على القيم والفضائل – إما نقصًا أو انعداما – وهذا أصبح شبه أجماع عالمي واعتراف عام على كل المستويات الرسمية والشعبية، ويؤكد هذا قولهم: إنه من السهل بناء المصانع والمشروعات، ولكن من الصعب العسير بناء الإنسان.

والتربية عملية شاملة لكل جوانب الإنسان في كل زمان وكل مكان، ولا يُستثنى منها كبير أو صغير، رجل كان أو امرأة، لذلك فهي مسؤولية جميع الأجهزة والإدارات والوزارات والمجتمع والأُسر والأفراد والمؤسسات.

ولقد تنبَّهت جمعية الإحياء والتجديد، بفضل الله وتوفيقِه، إلى أهمية هذا الأمر وخطورته، فخصصت للتربية قسما بهيكليتها الإدارية، فجعلت التربية استكمالا لدور الأسرة والمدرسة هي محور نشاطات الجمعية ومؤسساتها، وهي مسؤولية الجميع عن الجميع، ليس فقط عن أبناء الجمعية، ولكن عن أبناء الوطن جميعًا، “فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”، بل أوسع من هذا وأشمل “خير الناس أنفعهم للناس”، ليكون الناتج النهائي إنسانًا سليم العقيدة، صحيح العبادة، قويَّ البدن، متين الخلق، مثقف الفكر، منظَّمًا في شؤونه، قادرًا على الكسب، نافعًا لغيره، ابتداءً من أسرته حتى أمته، وبالجملة صالحًا في نفسه مصلحًا لغيره.

ولهذا جعلت الجمعية التربية من ضمن بنود ميثاقها حيث ورد في فصل القضايا الحيوية البند الثاني: “تعد التربية وسيلة الإيمان وأداة الإعداد لإتقان الصالحات من الأساليب والممارسات، حتى يستطيع الأعضاء أداء مهامهم الدعوية والمجتمعية بكفاءة ونجاح، يقول تعالى: (قَدْ أفْلَحَ مَن زَكَّاها ٥ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (الشمس 9-10).

  تهدف التربية إلى بناء الإنسان بناء شاملا في الأبعاد الفكرية والثقافية والروحية والعملية كلها، في توازن وتكامل، وذلك باستخدام وسائل متنوعة وأساليب مبتكرة تغرس القيم وتتعهدها، وتعزّز المهارات وتنميها، تمنع الغلو وتعالج دواعيه، وتعصم من التعصب وتفكك أسبابه حتى يتحقق الإبداع والعطاء الحضاري المنشود.

تتحقق العملية التربوية وفق مراحل تحددها لائحة المؤسسة، من خلال حلقات تربوية تعليميّة، ووسائل تفاعليّة، ينظم مفرداتها المنهاج التربوي والثقافي، من حيث الأهداف والمحتوى والوسائل والأساليب.”

والتربية ما كانت بدعا في المنهج الإسلامي فمن مهد الإسلام أنشأ رسول الله –صلى الله عيه وسلم – محضنًا تربويًا بدار الأرقم بن أبي الأرقم، وذلك كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي –رحمه الله-” لكي يتربى المسلم المنشود، الذي لا يستسلم للواقع، بل يعمل على تغييره كما أمر الله، ولا يعتذر بالقضاء والقدر، بل يؤمن بأنه هو قضاء الله الغالب، وقدرة الذي لا يُرَدّ. إنه المسلم الذي يعمل لإقامة رسالة، وبناء أمة… كانت تربية هذا المسلم هي المهمة الأولى للمنهج الإسلامي، لأنه هو وحده أساس التغيير، ومحور الصلاح والإصلاح.

وأكدت الدكتورة خديجة أبوري في مقالها: (دار الأرقم بن أبي الأرقم ودورها الدعوي والتربوي في بداية الدعوة): “تعد دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه إحدى الدور التي كان لها دور هام في تاريخ الإسلام؛ فقد كانت المحضن التربوي الأول الذي ربى النبي صلى الله عليه وسلم فيه أصحابه، الذين حملوا معه المسؤولية الكبرى في تبليغ رسالة الإسلام، ففي هذه الدار تلقى الرعيل الأول تعاليم الدين الإسلامي؛ حيث كان  صلى الله عليه وسلم يتلوا عليهم آيات القرآن، ويبين لهم أحكام الإسلام، ويعرفهم أيضاً بما يجري في واقعهم ومجتمعهم، وما يحاك حولهم، كما يربي فيهم المعاني الإيمانية التي تقوي عزيمتهم، ويبين لهم أن الاستمساك بالمنهج هو الذي يؤدي إلى النصر والتمكين.

أولى المؤسسات التربوية التي ربى فيها أصحابه الذين حملوا معه رسالة الإسلام،

ففي هذه الدار نشأ الرعيل الأول من كبار الصحابة من المهاجرين والسابقين الأولين إلى الإسلام، على توجيهات القرآن الكريم، وجاؤوا صورة عملية لهذه التوجيهات الربانية، فضحوا بالغالي والنفيس لأجل الدين، ومما يشار إليه هنا أيضا الدور الذي قام به الصحابة في نشر الدعوة وكل ذلك كان بسبب التربية التي رباهم عليها النبي صلى الله عليه وسلم.”

العوامل التي ساعدت جمعية الإحياء والتجديد على هذا النجاح منها:

أ.  إيمان لا يتزعزع بأن التربية هي الوسيلة الفذة لتغيير المجتمع، وبناء الإنسان، وتحقيق الآمال.
ب. منهاج للتربية محدد الأهداف، واضح الخطوات، معلوم المصادر، متكامل الجوانب، متنوع الأساليب، مستمدة من الإسلام دون سواه.
ج. الروح الجماعية الذي هيأته الجمعية، من شأنه أن يعين كل أخ مسلم على أن يحيا حياة إسلامية، فالجماعة قوة على الخير والطاعة، عصمة من الشر والمعصية.
د. عدد من المربين المخلصين، الأقوياء الأمناء، من ذوي الإيمان القوي، والإرادة الصلبة، والعاطفة الجياشة، والقدرة على التأثير في الآخرين.
هـ.  وسائل متنوعة، من دروس وخطب، ومحاضرات وندوات، وأحاديث وشعارات، وأناشيد ولقاءات، والمخيمات تتجدد فيها العقول بالثقافة، والقلوب بالعبادة، والأجسام بالرياضة.

وهذه المنهجية الهدف منها هو تربية الأنسان ليكون أنسانا أو كما ذكر الدكتور محمد التومي الشيباني –رحمه الله-في كتابه منهجية التربية الإسلامية: “أن الإسلام يربي المسلم ليس ليكون مواطنا صالحا…بل ليكون إنسانا صالحا وصالحا لشيء ما”

وللتربية في فهم جمعية الإحياء والتجديد وتطبيقهم خصائص بارزة ومميزات ظاهرة أهمها:

  1. 1.الربانية:وذلك لأن أول هدف للتربية الإسلامية هو تكوين الإنسان المؤمن، من هنا الرجوع إلى المنابع الصافية يستمدون منها حقيقة الإيمان، إيمان الكتاب العزيز والسنة المطهرة، إيمان الصحابة ومن تبعهم بإحسان من سلف الأمة.
  2. تكامل والشمول: الفهم أن التربية الإسلامية لا تقتصر على جانب واحد من جوانب الإنسان، الإيماني والفكري والروحي والجسدي، كذلك يُربّى العضو على أن العمل لخير المجتمع جزء من رسالة المسلم في الحياة.
  3. 3.الإيجابية والبناء: توجه الجمعية بطاقته وطاقة أعضائها ومن حولها إلى الإيجابية والإنتاج، فهم مطالبون بإصلاح أنفسهم ودعوة غيرهم إلى الخير، ومطالبون كذلك بتكوين بيوت مسلمة، وإرشاد مجتمعاتهم؛ بنشر دعوة الخير فيها، ومحاربة الرذائل والمنكرات، كذلك يتربى العضو على الإحساس بقيمة الوقت، والحرص على الانتفاع به إما في أعمال دعوة أو أعمال دنيا شريفة يخدمون بها الدين والوطن.
  4. الاعتدال والتوازن: فالأعضاء يوازنون بين العقل والعاطفة، والمادة والروح، والنظر والعمل، والفرد والمجتمع، والحقوق والواجبات، والقديم والجديد وتزكية الأنفس وتهذيب الأخلاق وهم معتدلون متوازنون في نظرتهم إلى المجتمع، إنهم ينظرون إلى مجتمعهم من أفق رحب، ومن زوايا متعددة، فهو ليس مجتمعًا خالص الإسلام كامل الإيمان، وهم معتدلون في موقفهم من الدعوات والأفكار الأخرى.
    5. الأخوة والروح الجماعية: تقوم التربية في الجمعية على ثلاثة أركان هي: الفهم الدقيق، والإيمان العميق، والحب الوثيق، ولقد عرف القاصي والداني مقدار الترابط المتين الذي يربط أعضاء الجمعية بعضهم ببعض، وأعضاءها مع غيرهم من أفراد المجتمع.

إن الإصلاح التربوي هو الأساس في الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي، فإن فساد الخامة البشرية يجعل جميع الخطط تفشل ولا تحقق أي نتائج والتوجه العام الذي يجب أن يتبنّاه الجميع -حكومةً وشعبًا وأحزابًا ومعارضة وبين جميع مؤسسات المجتمع المدني- هو مستوى الفضائل في السلوك والأخلاق والقيم، ومحاربة كل صور الفساد.

والتوجيه الرباني يقتضي على الجميع تحمّل المسؤولية للأجيال القادمة، وأن نتعاون مع كل الاتجاهات فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه، ونبدأ في وضع الخطوات العملية، للتقارب والتعاون في الخير كما أمر الله عز وجل: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾، والوقوف ضد الفساد ﴿وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى