فهمنا لنصرة القضايا العادلة.. من وحي ميثاق جمعية الإحياء والتجديد
أ. فرحات الهوني
إن نصرة المسلم للحق وبذل الوسع فيه والوقوف بجانب أهله واجب شرعي مكلف به كل مسلم قادر، فقد جاء الأمر في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- بنصرة المسلم لأخيه المسلم، وجاء النهي والوعيد لمن خالف ذلك وخذل إخوانه.
قال تعالى: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”
والعقوبة تكون أشد إذا والى المسلم كافرًا ضد أخيه المسلم أنه سيحشر معهم قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”
ومن النصوص التي توجب على المسلم نصرة إخوانه والوقوف معهم في مصائبهم حيث قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: “الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ” وفي الصحيحين عن أبي موسى -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :على كلِّ مسلم صدقة، قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يَعْتَمِلُ بيديه فينفع نفسه ويتصدق، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال :يعين ذا الحاجة الملهوف.
لقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يحزن إذا رأى بلاء ونكبة على مسلم، ويدعو الناس للإنفاق في سبيل الله؛ حتى يذهب الله ما بهم من حاجة وبلاء ومحنة، لقد علمنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- كيف نتعامل مع المنكوبين، بأن نواسيهم ونهتم بحالهم.
ومن الأحاديث المرغبة في نصرة المسلم والوقوف معه في مصابه، والتي تحذر من خذلان المسلم والتنصل عن نصرته وموالاته: حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وقوله: المسلمونَ تتكافأُ دماؤهُم ويسعى بذمَّتِهم أدناهُم ويردُّ عليهم أقصاهُم وهم يدٌ على من سواهم.
ومن ترك نصرة أخيه المسلم فسيخذله الله في موطن يحب فيه نصرته، حيث رُوي عن رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ.
ولعلنا ننظر إلى واقعنا لنعلم أين نحن من نصرة أهلنا في فلسطين؟، وهل قمنا بواجبنا الذي كلفنا به الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم- اتجاههم.
ويقول الأستاذ محمد خير موسى :من لا يتعامل مع ما يجري على أنّه قضيّته الشخصيّة فليراجع إيمانه، ومن لم يهتز كيانه ويتوجع قلبه لما يرى فليراجع إنسانيّته، ومن لم يسأل نفسه كل يوم ماذا عليّ أن أفعل فليراجع ولاءه، ومن لم يشعر بالغضب تجاه الخذلان والتواطؤ والتآمر فليراجع براءَه، ومن كانت حياته هذه الأيام كحياته قبلها فليراجع بشريّته.
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي -رحمه الله- فلسطين هي قضية المسلمين الأولى، وستظل حية فلا تموت، وقوية فلا تضعف، ومشتعلة فلا تنطفئ. وفرض على أمة الإسلام أن تترك قضاياها الصغرى وتهتم بما يتعرض له المسجد الأقصى الأسير.
ومن هذه المنطلقات ضمنت جمعية الإحياء والتجديد في ميثاقها في محور القضايا الحيوية بند قضايا الوطنية العربية والإسلامية والإنسانية العادلة
- نقف مع القضايا الوطنية والعربيّة والإسلاميّة والإنسانية العادلة كلها، ونسهم مع غيرنا في مؤازرتها بالطرق القانونية المشروعة.
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حلف الفضول فقال: (لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا، ما أحبّ أنّ لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت) وقد كان حلفًا لنصرة المظلوم وإغاثة الملهوف، بغـض النظر عن دينه وعقيدته.
- نعد قضية فلسطين هي قضيّة الأمة العربيّة والإسلامية بأسرها، بل والإنسانية جمعاء، فيها بيت المقدس أولى القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومهد السيد المسيح عليه السّلام. اغتصب الصهاينة أرضها وأذاقوا شعبها أبشع أنواع الظلم والجور والاضطهاد والتشريد، ونحن نعتقد أن مقاومة أهلها مشروعة، تقره الشرائع السماوية والمواثيق الدولية.
وموقف الجمعية معلن وصريح بأنها ستكون بجانب القضايا العادلة سواء كانت الوطنية أو العربية أو الإسلامية أو الإنسانية المظلومة، وتسهم مع الجميع من أجل رفع المعاناة عن المضطهدين.
فهي تربي أبنائها من خلال هذا الميثاق على قيم يحملها بين جنبيه، قيم إسلامية جليلة في نصرة المسلمين، وعبادة تخضع فيها إلى الرقابة الإلهية التي يحمله في نفسه أن الله مطلع عليه وأنه سبحانه لا تخفى عليه خافية قبل أن تخضع للقوانين.
تربيهم على معاني إنسانية أوسع فنصرة الحق لا تكون للمسلمين خاصة بل نصرة كل مظلوم من بني آدم، سواء مسلم أو غير مسلم، كما ذكر المفكر مالك بن نبي: “أن الإسلام يُقَرّر أنّ التّكريم الإلهيّ إنّما هو للإنسان، مطلق الإنسان، أيّ لبني آدم أجمعين، على اختلاف الألوان والعقائد والحضارات والشعوب والقبائل والأعراق (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، وبعد هذا التّكريم العامّ تكون التّقوى معيار التّفاضل بين المكرمين (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)”.
وتربيهم على قوله تعالى: “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا “وأن الله برّأَ يهوديا عندما أتهم بالسرقة وسطرت آيات تتلى إلى يوم القيامة كما ورد قوله تعالى (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرمي به بريئا فقد أحتمل بهتانا وإثما مبينا)، ويعني هذا المفهوم تكريم الله للإنسان: (ولقد كرمنا بني آدم).. وهذا التكريم ليس خاصًا بالعربي أو المسلم بل بذرية آدم كلها.
يقول الأستاذ حسن الدغيم: “إنّ الحريّة قيمة الإنسان، وجوهر تكليفه وتكريمه، وأساس لعيشه وكرامته، وهي ليست عوضًا يبذل للمستبدّ مقابل الأمن، أو العيش، أو سلامة البدن، بل الأمن والرعاية واجبة للمواطن، وهو بكامل حرّيّته لا يحدّ منها إلا بما يكفل مثلها للآخرين”.
فمن البديهيات معرفة أن الغرب السياسي والثقافي ينظر إلى العالم الإسلامي بوصفه كيانا واحدا، وأن شعوب العالم الإسلامي مجتمع واحد متكامل سواء كانوا متفقين أو مختلفين، ويقرأ ذلك من الغضب الشعبي المشترك عند الإساءة للرسول –صلى الله عليه وسلم- أو ما يمس قضية فلسطين وغيرها، ويتعين على المسلمين أن يروا من أمر أنفسهم ما يراه الغرب فيهم وبحكم سياسته تجاههم.
فلابد أن يجاهد المسلمون للخروج من أزماتهم، والجهاد إفراغ الجهد والوسع لإقامة العدل والحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل يعمل على قدر الوسع والطاقة إذ “لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها”، ولو بأضعف الإيمان كما قال الأمام ابن تيمية: “والنصر على الإعداء بدعاء المؤمنين، واستغفارهم، وأمثال ذلك مما اتفق عليه المؤمنون”
والأمام مالك -رحمه الله- قد اختصر وأفاد، وبيّن وأجاد في تحديد داءِ الأمَّة ودوائها، عندما قال:” لا يُصلِح آخرَ هذه الأمَّة، إلا ما أصلَح أولَها”.
إن للإعلامين والخطباء والأدباء والمعلمين والمؤسسات وقبلهم الحكومات الدور الكبير في مساندة قضايا الأمة الحيوية الكبرى وأعظمها قضية فلسطين، وذلك بأن تكون حاضرة في منابرهم ومحافلهم وفعاليتهم، فهم لا يعدمون الوسائل لنصرة الحق، والله سائلهم، وحسيبهم.