خواطر دعويةعاممقالاتمقالات تربويةمقالات فكرية

فوائد وعبر مستنبطة من القرءان الكريم

د. عبدالسلام مصطفى التريكي

قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ..}.

كتاب الله عز وجل لا تنتهي عجائبه، ولا تُحصر فوائده، ولا تنقطع آثاره، فكل آياته مع اختلاف معانيها، وتعدد مبانيها، وكثرة مواضيعها، فهي تحمل مقاصد كثيرة، وترتبط ببعضها بصورة ما، يدركها من فتح الله له عليه ونشر في قلبه ضياءه، وزرع في فؤاده ومضاته، فكل كلام ربنا سبحانه حكمة، وكل آياته دستور وشِرعة، ففي هذه الآية الكريمة لمحة قوية، وومضة إلهية، وإشارة حكيمة ظاهرة وخفية، يرشدنا فيها سبحانه وتعالى إلى قانون إلهي، ودستور كوني وأرضي، قد أنشأه الله في عليائه، وكتبه على خلقه بإلزامه، فبين سبحانه في قوله : {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}، أن الجسد البشري هو خِلقته وملكه وحده، فهو من أنشأه وأوجده من العدم، وهو من ألبسه العظام واللحم، وهو من أنبته في الأرحام وأسكنه،وهو من أودع فيه العقل والقلب وأفرده، وهو من سوّاه وأمدّه وأطعمه، وهو من ربّاه وتعّهده ومدّده، وهو من حفظه ومنحه، وهو من أصابه وجدّده، فهو مُنشئه وقابضه، ورافعه وخافضه، ومن يملك كل ما في روحه وجسده وقلبه، فله الحق سبحانه وحده أن يضع له القوانين التي يحق له أن يتصرف بها في جسده أو يتركه، وهذا مبدأ أساسي وجوهري في دين الإسلام وعقيدته، وبه يفترق عن سائر المعتقدات والملاحدة، فالجسد في دين الإسلام ملك لخالقه وليس لصاحبه، فلا يفعل فيه إلا ما شرعه ربه وخالقه، وهذا بخلاف سائر المِلل والمعتقدات من غير دين الله وشِرعته، فأولئك القوم يرون الجسد ملكا لصاحبه الذي يرتبط جسده بروحه التي تجاوره، فيفعلون في أجسادهم ما يخطر ببالهم وأهوائهم، ومالا يرتضيه عقل ولا منفعة، فيقطعون ما يشاؤون منه ويغيرون فيه من غير ضرورة ولا مصلحة متحققة، وتختلف وتتفاوت أهواؤهم في ذلك درجات تسفل ببعضهم إلى دركات المسفلة، فصارت أجسداهم حقول تجاربٍ لإشباع غرائز لا تُرتضى. فقوله تعالى بأنه لا بحل لهن أن يكتمن في أرحامهن، إشارة ضمنية وإلزامية، بأن من يقرر التعامل مع ما في الأرحام هو الله خالقها، وليس الأم التي في أحشائها يسكنها، فلا يبيح ارتباط جسد الأم بجنينها، أن تتصرف فيه بأمرها وقرارها ورغبتها، بل الله من أوجده وأسكنه في رحمها هو من يملك جسدها وجسده، وأمرها وأمرها، وفي هذا رد على كل من يظن أنه يحق له أن يتصرف بجسده ونفسه كما يشاء دون أمر وشِرعة ربه، فإذا كان الله عز وجل لك يقبل للأم التي ينمو في أحشائها ويتغذى من جسدها جنين أن تتصرف فيه بأمرها دون أمر ربها، فمن باب أولى ألا يتصرف الرجل أو المرأة في أجسادهم، فلا فرق بين الجنين ولا أمه ولا أبيه في حق التصرف في الجسد إلا بأمره، وهذا جلي في سياق الآية، بأن الله عز وجل ينهى الأم المطلقة أن تخفي حملها أو حيضتها لاستبراء الرحم كما هو معلوم من الحكم الفقهي للآية الكريمة ، ولكن أردت هنا الإشارة الظاهرة والخفية لفائدة فتح الله بها واستنبطتها لبيان قاعدة كونية وشرعية مرضية، بأحقية الله وحده في أجساد عباده شِرعةً جليَّة.

 

Related Articles

Back to top button