اجتماعيةعاممقالاتمقالات تربوية

في ذكرى المولد الشريف.. عادات أم عبادات؟!

الشيخ د. أبوبكر محمد العيش

1- حُكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس مَحل اتفاق بين علماء الشريعة (سلفاً وخَلفاً) ، والذين أجازوه وضعوا له ضوابطه وفصّلوا في كيفيته ، لذا فليس للإنكار وتبديع الناس معنى .
2- ممن أجازوه ودافعوا عنه الإمام (جلال الدين السيوطي-ت 911هـ) ، في كتابه (الحاوي للفتاوى) ، تحت عنوان : ” حُسْنُ الْمَقْصِدِ فِي عَمَلِ الْمَوْلِدِ” وقد ذَكَر العلماءَ الذي أجازوه واستدلوا له –منهم الإمام ابن حجر وغيره- ، ورَدَّ رداً مُفصلاً على كل اعتبارات (البِدعيّة) للاحتفال بالمولد النبوي ، والتي ذكرها الإمام المالكي : (تاج الدين اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني-ت 734 هـ) في كتابه (المورد في الكلام على عمل المولد) ، فليرجع إليها مفصلة ( 1/223 ، طبعة دار الفكر) ، لتُعرف أدلةُ المُجيزين وحجّتُهم ، وليتحقق مقصد : سعة الصدر بالخلاف وتفهُّمِه .
3- اعتاد المسلمون في (ليبيا) إعداد أَكلة (العصيدة) في يوم ذكرى المولد النبوي ، إظهاراً منهم للفرح والسرور بمولده -كما يفعلون لدى ازدياد المولود الجديد- ، وتقليداً منهم لمن أجاز الاحتفال وإحياء ذكراه من العلماء.
4- هذه (العصيدة) هي عادة من العادات وليس الحُكم متعلّقاُ بها ، فهي مباحة بالأصل العام : بإباحة الأكل (كل ما شئت) ، وإباحة العادات بصفة عامة إلا ما جاءت النصوص بتحريمه ، وهي قطعا ليست من المحرمات ، بل طيّبة من الطيّبات يجوز أكلُها في أي وقت .
5- لكن ارتباطها بهذا اليوم ؛ هو الذي جعل الذين ذهبوا مذهب (بدعية) الاحتفال بالمولد النبوي يقولون بتحريم إعدادها وأكلها ، من باب أنها عندهم وسيلة للبدعة ومًظهر لها فتحرُم لذلك .
6- وبناء على كل ما ذُكر فإن إعداد (العصيدة) وأكلها في يوم المولد عادة متعلقة بحُكم مختلَف فيه بين العلماء ، لا يجوز فيه الإنكار ولا التبديع ولا التفسيق .
7- فمن أعدّها وأكلَها من باب العادة –وهو الحاصل- وتقليداً لعلماء أجلّاء (سلفاً وخَلفاً) قالوا بجواز الاحتفال والاحتفاء بمولده الشريف -صلوات ربي وسلامه عليه- فهو على خير وفي خير ، ولا يُنكَرعليه ولا يُبدَّع .
8- ومن امتنع عن إعدادها وأكلها تقليداً لعلماء أجلّاء (سلفاً وخلفاً) قالوا بعدم جواز تخصيص يوم المولد بالاحتفال ؛ لعدم فعل القرون الأولى لذلك ، فله ذلك وهو على خير وفي خير، ولا يُنكَر عليه ولا يُبدَّع .
9- ويترتب على هذا : أنه من دُعِي إلى عادة (العصيدة) ، وهو يُقلِّد العلماء الذين قالوا بمنع الاحتفال بالمولد النبوي ، فله أن يأكل منها طيّبة بها نفسُه اعتباراُ للخلاف ، وإن كان لا يُعدّها في بيته ولا يأكلها فيه ، وله أن يمتنع بغير إنكار ولا تبديع لمن دعاه ، تورُّعاَ لما يقتضيه تقليدُه لمن أفتاه .
10- ليت الإنكار على أكل (العصيدة) حَظِيَ به أكلُ أموال المسلمين في بلادي وتضييق عيشهم ، وسفك دماء بعضهم واغتصاب بيوتهم ورمي جثثهم في مكبات القمامة ، فتلك الموبقات الضرورات ، التي عُلِمت بالقواطع الواضحات ، والآيات المُحكَمات البيّنات ، ومُنِعت بالنّهي الأكيد ، ورُتِّب عليها الوعيد الشديد ، فلا نَسمع فيها من أصوات مُنكري (العصيدة) بنتَ شَفة ، فهم تجاهها : خُرس صم بكم عمي ، لا ينطقون ، ولا يُنكِرون ولا يُبدِّعون ولا يُحرِّمون ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى