مقالاتمقالات تربوية

في ذِكرِ اللهِ تقويةً للإيمانِ وحياةٍ للقلوبِ وصلاحْ للنفوسِ

 

 

الكاتب: د. علي محمد الصلابي

 

إنَّ الذكرَ للهِ يغرسُ شجرةَ الإيمانِ في القلب، ويُغذّيها وينمّيها، وكلّما ازدادَ العبدُ ذكراً للهِ، قوي إيمانُه، كما أنَّ الإيمانَ يدعو إلى كثرةِ الذكر، فمن أحبَّ الله أكثرَ مِنْ ذكرِه، ومحبّةُ اللهِ هي الإيمانُ، بل هي روحُه. وإن ذِكر الله فيه فلاح للمؤمن ونجاة من عذاب الله، ونيل رضوانه ورحمته، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا* هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) (الأحزاب: 41 – 43).

وإن للذكرِ آثارٌ نافعةٌ في حياة المسلمين الدنيوية والأخروية، ومنها:

أ ـ الحياة الطيبة الحقيقية:

فالحياة هي حياةُ الروحِ المتغذّية بالوحي الإلهي، المتعلِّق قلبُ صاحبها بذِكر الله، وهي التي وصفَها الله بالحياةِ الطيبة بقوله سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} [النحل :97] وبقوله أيضاً: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [يونس :3] فذِكْرُ اللهِ تعالى، ومحبّتُه وطاعتُه، والإقبالُ عليه ضامِنٌ لأطيَبِ الحياةِ في الدنيا والآخرة، والإعراضُ عنه، ومعصيتُه كفيلٌ بالحياة المنغّصة، والمعيشة الضنك في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى *} [طه :124]

وعلى هذا، فحياةُ الروح والقلبِ هذه لا يحياها، ولا يذوقُ طعَمها إلا الذاكِرُ لله سبحانه وتعالى، كما قال المصطفى ﷺ: «مَثَلُ الذي يَذْكُرُ ربَّهُ، والّذِي لا يَذْكُرُ ربَّه، مثلُ الحيِّ والميِّتِ»، فما بين الذاكِر والغافلِ هو ما بين الحيِّ والميّتِ، وشتّان ما بينهما، فسبحان مَنْ أشهدَ عباده جنّته قبلَ لقائه، وفتحَ لهم أبوابها في دارِ العملِ، فاتاهم مِنْ روحِها ونسيمِها وطِيْبِها حتّى قال قائلهم: مساكينُ أهلُ الدنيا، خرجوا منها، ولم يذوقوا أطيبَ ما فيها؟!

قيل: ما أطيبُ ما فيها؟

قال: محبّةُ الله تعالى ومعرفتُه وذكره.

فالذاكر بين الغافلين هو كالحيِّ بين الموتى حياةً متكاملةً في البدن والروح والشعور، قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} [الانعام :122] .

ب ـ القّوةُ في الأبدانِ وإحياءَ المعاش والجهاد:

إنّ الذكرَ يعطي الذاكرَ قوّةً حتى إنّه ليفعلُ مع الذكر ما لم يكن يظنُّ فعلَه بدونه، وشاهِدُ ذلك موقفُ النبيِّ ﷺ مع ابنته فاطمة، وعلي (رضي الله عنهما)، لمّا سألته خادماً، وشكت إليه ما تقاسيـه من الطحـن والسعي والخدمة، فعلمَّهما أنْ يسبِّحَا كلَّ ليلةٍ إذا أخذا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين، ويحمدا ثلاثاً وثلاثين، ويُكبِّرا أربعاً وثلاثين، وقال لهما: «فهذا خيرٌ لكما من خادم»، فقيل: إنَّ مَنْ داومَ على ذلك وجدَ قوّة في يومه مغنيةٌ عن خادم (شجرة الإيمان، ص 48)

ج ـ رقَّةُ القلبِ وخشوعُه:

إنَّ ذكرَ اللهِ يوجِبُ خشوعَ القلب، وصلاحَه، ورِقَّتَه، ويذهِبُ الغفلةَ عنه، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ *} [الرعد :28] وقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر :23] .

د ـ النجاة من عذاب الله تعالى:

قال رسول الله ﷺ: «ما عَمِلَ آدميٌّ عملاً قط أنجى له مِنْ عذابِ اللهِ مِنْ ذكرِ اللهِ»، وهذه نهايةُ الغايات، وأعظمُ المطالبِ، وهي أُوْلى اثارِ الذكر وثمارُه، وأجلُّ فوائِده في المعاد.

وإن من أشد ما يُتعجب منه في شأن الذكر هو الحديث الذي أخرجه أحمد في المسند والترمذي وابن ماجه في السنن وغيرهم عن أبى الدَّرْداء رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعمَالِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى”.

وفي قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون).  وفيها إن المؤمن إذا كان كثير الذكر فلابد أن يكون سريع التوبة والاستغفار من الذنوب. قال ابن القيم في حادي الأرواح: “فأخبر أنه أعد الجنة للمتقين دون غيرهم ثم ذكر أوصاف المتقين” إلى أن قال: “ثم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم وأنها إذا صارت منهم قابلوها بذكر الله والتوبة والاستغفار وترك الإصرار” (عجائب الذكر وعظائم الأجر، مصطفى البدري، الجزيرة نت، 17/08/2017م).

هـ  الذاكر من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة:

ذكرَ رسولُ الله ﷺ من السبعةِ الذين يظلُّهم اللهُ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلاّ ظلِّه: «ورجلٌ ذكرَ الله خالياً ففاضتْ عيناه».

و ـ تكثيرُ الشهودِ يومَ القيامة:

فكلُ معالمِ الأرضِ تأتي شاهدةً للذاكرين يومَ تحدِّثُ الأرض أخبارها، فالجبالُ والقِفارُ تتباهى وتستبشِرُ بمن يذكرُ الله عزّ وجلّ عليها، قال ابن مسعود:

إنَّ الجبلَ لينادِي الجبلَ باسمه، يا فلان! هل مرَ بكَ اليومَ أحدٌ يذكرُ الله عزّ وجلّ؟ فإذا قال: نعم، استبشرَ.

 

المراجع:

  • اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، ابن قيم الجوزية، ص (24).
  • الإيمان أولاً فكيف نبدأ به ، د. مجدي الهدلي، ص (119).
  • شجرة الإيمان، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص (39).
  • شعب الإيمان، البيهقي، (538) .
  • صحيح البخاري في صحيحه ، كتاب: المناقب ، باب: مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه (13705) ، ومسلم في صحيحه ، كتاب: الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، باب: التسبيح أول النهار وعند النوم (2727).
  • عجائب الذكر وعظائم الأجر، مصطفى البدري، شبكة الجزيرة نت، 17/08/2017م.
  • مسند الإمام أحمد، (5 / 239). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10 / 173): رجاله رجال الصحيح ، إلا أن زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش لم يدرك معاذاً ، وبلفظ قريب أخرجه ابن ماجه في سننه ، كتاب الأدب ، باب: فضل الذكر (3790).
  • موسوعة أركان الإيمان: الإيمان بالله، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، ط1، 2018.
  • هجر القران العظيم، د. محمود الدوسري ص (567).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى