في مسألة أصول الأخلاق والفضائل الإنسانية الأصيلة
بقلم: د. علي محمد الصلابي
اتصف آدم عليه السلام وبنوه من الأنبياء والمرسلين بأفضل الصفات وأنبل الأخلاق والفضائل، وفي مقدمتها الصدق والأمانة والفطانة والبيان وغيرها، وقد تحدث القرآن الكريم عن أصول الدين وشرائعه الجامعة التي اتفقت عليها الرسل وهي متفق عليها في كل الديانات السماوية ومقررة في كل الشرائع العادلة كالوصايا العشر المذكورة في سورة الأنعام: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام:151-153].
فهذه الوصايا العشرة هي وصايا الله تعالى لبناء مجتمع إنساني كامل يبنى على أساس التعاون الإنساني، والمودّة ودفع الأذى ووقاية المجتمع من الآفات ورعاية الضعفاء.
- الوصية الأولى: النهي عن الشرك:
قال تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾: ﴿أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ هو الأمر الأول الذي حرّمه الله وهو أعظم الأمور وأقواها أثراً لأنه يتعلق بخالق الكون ومنشئ الوجود، وهو أصل الاعتقاد الديني وهو أول الشريعة وعليه اجتمعت كل الرسالات، فالوحدانية لبُّ الإيمان، والله يجعل كل السيئات قابلة للغفران إلا الشرك.
وإن الوحدانية فيها تطهير للعقول من رجس الأوثان والإذعان للإنسان والأصنام، وهي تربي العزة في المرء فلا يخضع إلا لله الواحد الأحد، الفرد الصمد. (أبو زهرة، 1987، الجزء 5 ص 2732)
– الوصية الثانية: الإحسان إلى الوالدين:
قال تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾
إن الإحسان إلى الوالدين برُّ ممن جعلهم سبباً مادياً في وجود الولد، ولذا قال تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾، فهذا هو الأمر الثاني وهي الوصية بالوالدين، والوصية بهما هي الإحسان إليهما، والإحسان مرتبة أعلى من العدل، إذ هو فوق العدل في الرحمة والرأفة فهو عدل ورأفة ووفاء وبرّ، ولذلك كان الأمر بالإحسان بجوار الأمر بالعدل، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90].
وقال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء:23].
– الوصية الثالثة: النهي عن قتل الأولاد:
قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ [الأنعام:151].
– الوصية الرابعة: الابتعاد عن الفواحش وعدم الاقتراب منها ما ظهر منها وما بطن، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾، هذه الوصية الرابعة وهي تتصل بالنهى عن الفواحش والفواحش هي المعاصي، لأن فيها انحراف، والأصل في الفحش الزيادة عن المعقول والفطرة، والخروج عن مناهجها، وعن الطريق المستقيم، وما ظهر: ما يُعلن ويجهر به، والجهر في المعصية في ذاته حرام، وما بطن: أي ما استتر ولم يجُهر به وهو إثم، ولكنه دون إثم المجاهرة، ومن يجهر بالمعاصي فإنما يفعله إثمان، إثم الفعل وإثم المجاهرة.( أبو زهرة، 1987، الجزء 5 ص 2732)
– الوصية الخامسة: النهي عن قتل النفس بغير الحق:
قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾:
هذه الوصية الخامسة التي أوصى بها رب العالمين، ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ والإشارة إلى المذكور من النهى عن الشرك والأمر بالإحسان إلى الوالدين، والنهي عن قرب الفواحش وهو نهي عن المقاربة لا عن الوقوع، لأنه نهى عن أن يدنو منها، فمن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه، والنهي عن القرب يدل على النهي عن الوقوع، والإشارة تشمل النهي عن قتل النفس، فهذا كله من وصايا الله سبحانه وتعالى، ووصايا الله جديرة بالإتباع وقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أي: لكي ترجعون دائماً أن تكونوا متذكرين، و التوصية هي الطلب المؤكد من العباد.( أبو زهرة، 1987، الجزء 5 ص 2735)
– الوصية السادسة: تحريم أكل مال اليتيم:
قال تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾.
– الوصية السابعة: الإيفاء بالكيل والميزان بالقسط:
قال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾.
– الوصية الثامنة: العدل وقول الزور:
قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾.
– الوصية التاسعة: الوفاء بالعهد:
قال تعالى: ﴿وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا﴾.
– الوصية العاشرة: اتباع الصراط المستقيم:
قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
هذه آية عظيمة عطفها على ما تقدم: فإنه لما نهى الله وأمر، حذر هنا عن اتباع غير سبيله، فأمر فيها باتباع طريقه، فكل الوصايا هي طريق الله تعالى، وهي طريق مستقيم. وقوله: ﴿صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ فالصراط: الطريق وهو دين الإسلام.
ومستقيماً: حال من اسم الإشارة، ومعناه مستوياً قويماً لا اعوجاج فيه.
إن هذا الصراط هو جميع التوصيات، لذا قال تعالى: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أي: رجاء أن تمتلئ قلوبكم بتقوى الله تعالى وأن تجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية، ولعلكم ترجون رحمته بعد خوف عقابه، فإن الله غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى. ( أبو زهرة، 1987، الجزء 5 ص 2743)
إن هذه الوصايا مجمع عليها من الأديان، وهي الأساس النفسي لتكوين الجماعات الفاضلة وقد جاءت بها الأديان كلها ورضيتها الشرائع الوضعية المستقيمة، وهي من وصايا الإسلام الذي هو دين الله الخالد الذي لا يقبل الله سواه، وأن هذا الدين هو الذي فرضه الله على البشر، منذ خلقهم، جاء به آدم عليه السلام ونوح وإبراهيم وآل عمران، وأنه تمّ برسالة خاتم النبيين، وهو الدين الذي يدعو إلى الوحدانية الخالصة التي لا يشوبها أدنى شرك، وهو الدين الذي يشمل العقائد الصحيحة والأحكام العامة التي لا تتغير بتغير الزمان أو المكان أو بتغير أحوال الناس في سلسلة حياتهم الإنسانية على وجه الأرض مهما اختلفت ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم وبيئاتهم ومهما تغيرت مهنهم وحرفهم وثقافتهم في الحياة الدنيا.(وصفي، 1997، ص 318)
إن التاريخ الإنساني بدأ من أول إنسان خلقه الله في الأرض بخصائص كاملة في مكوناته العقلية والنفسية والروحية، وفي أخبار آخر كتاب منزل من الله فإن ذلك الإنسان هو آدم الذي هيأه الله ليكون خليفة في الأرض بأعماله الحضارية التي تصدر منه بإرادته وعلى أساس الإيمان بالله واتباع هداه. (سريرات، 2014، ص77).
إننا لا يمكننا أن نستلهم معالم الاتجاه الإيماني في التاريخ الذي يخلو من الانحياز والتطرف، ولا يمكننا أن نستخلص المنهج السليم في سبر أغواره إلّا في القرآن الكريم الكتاب الذي: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾.
إن من مساوئ النظرة التاريخية الغربية للأحداث في المسيرة الحضارية الإنسانية هو إغفالها وتجاهلها الجوانب التاريخية لعلاقة الإنسان بالله وما كان من تداعياتها، (سريرات، 2014، ص75) ولذلك لم ينصفوا قادة البشرية، وسادتها في القيم الروحية والأخلاقية والتشريعية، وهم الأنبياء والمرسلون ابتداء من آدم عليه السلام إلى خاتم النبيين، بل تعرّض الكثير منهم للتشوية والتزوير والإفك المبين.
مراجع البحث:
– علي محمد الصلابي، قصة بدء الخلق وقصة آدم عليه السلام، دار ابن كثير، بيروت، 1442ه-2021م صص 1187-1193
– محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، مدينة نصر، القاهرة،1407ه- 1987ه
– محمد وصفي، الارتباط الزمني والعقائدي بين الأنبياء والمرسلين، دار ابن حزم،1 1418ه/ 1997م.
– أحمد سريرات، الجيو حضارة أو جغرافية الأمم، دار الخبر، الجزائر، 1435ه-2014