الكلمة الأسبوعية

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ

بسم الله الرحمن الرحيم
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ
هذا أمر جاء في معرض الحديث عن سؤال عن الأنفال والغنائم التي غنمها المسلمون في معركة بدر الكبرى، فكان التوجيه الرباني إلى أمر آخر أكثر أهمية، وأكثر ضرورة، وأبعد أثرًا في تكوين المجتمع السليم القوي المتماسك، الذي لا تؤثر به الماديات ولا تحركه الأطماع والشهوات، ألا وهو تقوى الله وإصلاح ذات البين.
إن تماسك المجتمع والعلاقة الحسنة والقوية بين أفراده من الأهمية بمكان، وقد أولاها الإسلام أهمية كبرى، فجاءت الآيات تترى، والأحاديث تحُثُّ على إصلاح ذات البين، فمن ذلك قوله تعالى: “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما” وقوله تعالى: ”وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴿35﴾” النساء، وقوله تعالى: “وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَالصُّلْحُ خَيْرٌ”، وقوله تعالى: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” ﴿10﴾ الحجرات، وقوله تعالى: «لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا(114)» [النساء]
ويقول النبي ﷺ : «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ؟” قَالُوا: بَلَى، قَالَ: إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ»، وقولهﷺ « كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ؛ تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ»
وهكذا نرى كيف اهتم رسول الله ﷺ لهذا وكان حريصا عليه، وعندما تنازع ناس من الأوس والخزرج هرع رسول الله ﷺ إليهم مباشرة، وذكَّرهم بالله وما أصبحوا عليه من ألفة ومودة وهداية، بعد ضلال وتفرق وتناحر.
إن قيام الأمم والشعوب ومدى قوتها يعتمد مباشرة على تماسكها وقوة وحدتها، وكما يقول الشاعر:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت أفرادا
إن ما نعانيه اليوم من تناحر وفرقة وتوفير البيئة المناسبة لأعداء الوطن والأمة لنهب خيراتها والتحكم في إدارة أمورها؛ إن هو إلا انعكاس لحالة التشرذم والتفرق، وماذا استفدنا من هذه الفرقة إلا الاقتتال وسفك الدماء وانتهاك المحارم وإهدار المال العام وتهديم المدن والطرقات وترميل النساء وتيتيم الأبناء، وإنه لمن العجيب أن تجد أمة تقرأ في كتاب ربها تلك الآيات التي تدعو إلى الصلح وتأليف القلوب وتقوى الله فوق ذلك، ثم بعد ذلك لا تراها إلا متناحرة تقوم بنفسها بتدمير نفسها.
إن جمعية الإحياء والتجديد من واقع المسؤولية والنصح لأهلنا في ليبيا، تدعو كل أبناء شعبنا الكريم إلى الوقوف صفاً واحداً، والعمل على تقريب وجهات النظر وتفويت الفرصة على كل من يريد انتهاب الخيرات وتدمير المقدرات وبث روح الفرقة والتنازع، آخذين في الاعتبار أن مقومات المصالحة لابد أن تكون على أسس من العدل والدين، وإرجاع الحقوق وجبر الضرر، واعتذار المسيء الذي ثبتت إساءته عما ارتكبه من جرائم، وهنا يمكن أن نطلب من الذين أُسيء إليهم أن يعفوا، ويصفحوا ويغفروا، بعد أن يتم جبر كسرهم وردِّ اعتبارهم إليهم.
إن هذه المهمة لابد أن يتولى حملها كل من له مسؤولية وقوة من رجال الدولة والقيادات الاجتماعية والرموز بمختلف أماكنهم ومكانتهم، مع وجود ضمانات تسع الجميع وتحفظ للجميع حقوقهم، وتمنع أخذ الحق إلا عن طريق القانون والجهات الرسمية حتى لا تختلط الأمور وتزداد سوءًا.
ليس لنا من مخرج إلا إرضاء المولى بإقامة العدل والرجوع عن الخطأ، ورفع الظلم وإرجاع الحقوق، وعندها نرجو من الله العلي القدير أن يمُنَّ على بلادنا باليمن والأمان، والسلامة والخير والبركات، وما ذلك على الله بعزيز.
زر الذهاب إلى الأعلى