مقالاتمقالات تربوية

قبسات من سير أولي العزم من الرسل (2)

أقصىى غاية يطمح لها كل نبي ورسول

د. علي محمد الصلابي

إنَّ أقصى ما يطمع فيه إبراهيم – عليه السّلام – النبي الرسول الذي يعرف ربّه هذه المعرفة، ويشعر بربه هذا الشعور، ويحسن في قرارة نفسه هذه القربى، أقصى ما يطمع فيه أن يغفر له ربّه خطيئته يوم الدين، نرى ذلك فيما قصه الله علينا من نبئه في سورة الشعراء: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) } [الشعراء: 82، 83]؛ فهو لا يبرئ نفسه، وهو يخشى أن تكون له خطيئة، وهو لا يعتمد على عمله ولا يرى أنه يستحق بعمله شيئاً، إلا أن يطمع في فضل ربّه ويرجو في رحمته، وهذا وحده هو الذي يُطمّعه في العفو والمغفرة. إنّه شعور التقوى، وشعور الأدب وشعور التحرّج، وهو الشعور الصحيح بقيمة نعمة الله وهي عظيمة عظيمة، وقيمة عمل العبد وهو ضئيل ضئيل وهكذا يجمع إبراهيم في صفة ربه عناصر العقيدة الصحيحة؛ توحيد الله رب العالمين، والإقرار بتصرفه للبشر في أدق شؤون حياتهم على الأرض، والبعث والحساب بعد الموت وفضل الله وتقصير العبد وهي العناصر التي ينكرها قومه وينكرها المشركون. (في ظلال القرآن، سيد قطب، 5/2603).

قال ابن كثير في تفسير الآية: أي: لا يقدر على غفران الذنوب في الدنيا والآخرة إلا هو، ومن يغفر الذنوب إلا الله وهو الفعّال لما يشاء. (تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، (6/156)

وقال أبو السعود في الآية {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} ]الشعراء:82[ ذكره عليه الصلاة والسلام هضماً لنفسه، وتعليماً للأمة أن يجتنبوا المعاصي، ويكونوا على حذر وطلب مغفرة لما يفرط منهم، وتلافياً لما عسى يندُر منه عليه الصلاة والسلام من الصغائر، وتنبيهاً لأبيه وقومه على أن يـتأملوا في أمرهم، فيقفوا على أنهم من سوء الحال في درجة لا يقدر قدرها، فإن حاله عليه الصلاة والسلام مع كونه في طاعة الله تعالى وعبادته في الغاية القاصية، حيث كانت بتلك المثابة فما ظنك بحال أولئك المغمورين في الكفر، وفنون المعاصي والخطايا، وحمل الخطيئة على كلماته الثلاث {إِنِّي سَقِيمٌ} {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}، وقوله لسارة هي أختي مما لا سبيل إليه؛ لأنّها مع كونها معاريض لا من قبيل الخطايا المفتقرة إلى الاستغفار؛ إنما صدرت عنه – عليه الصلاة والسلام – بعد هذه المقاولة الجارية بينه وبين قومه، وأما الثالثة فظاهرة لوقوعها بعد مهاجرته إلى الشام، وأما الأوليان؛ فلأنهما وقعتا مكتنفتين بكسر الأصنام، ومن البيّن أن جريان هذه المقاولات فيما بينهم كان في مبادئ الأمر، وتعليق مغفرة الخطيئة بيوم الدين مع أنّها إنّما تغفر في الدنيا؛ لأن أثرها يومئذ يتبيّن، ولأن في ذلك تهويلاً له، وإشارة إلى وقوع الجزاء فيه إن لم تغفر

إنَّ هذه الآية، وفي سياق الثناء الإبراهيمي على الله تعالى لتحمل في ثناياها معنى الدعاء ظاهراً جلياً أكثر من غيرها من الجمل التي سبقتها في مقام المدح والثناء هذا، ولما كان هذا الثناء بفقراته الخمس السابقة مشرّباً بالدعاء أحببنا إماطة اللثام عن معانيه، إماطة تظهر معالمه، وتبين مراميه، وتكون مقدمة كاشفة لما يليه من دعاء أبي الأنبياء إبراهيم – عليه السّلام -. (دعاء الأنبياء والرسل، محمد الخطيب، ص79)

 

 

ملاحظة هامة: اعتمد المقال في مادته على كتاب: ” إبراهيم أبو الأنبياء والمرسلين”، للدكتور علي محمد الصلابي.

المراجع:

  • في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق للطباعة، القاهرة، ط 32، 2003 م.
  • تفسير أبي السعود “إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم”، أبو السعود محمد العمادي الحنفي، تحقيق: عبد القادر أحمد عطا، دار المصحف ومكتبة ومطبعة عبد الرحمن محمد، القاهرة، 2008م، (6/24-25).
  • دعاء الأنبياء والرسل، محمد محمود أحمد وموسى الخطيب، مركز الكتاب للنشر، القاهرة، ط1, 1999م، ص79.
  • إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء والمرسلين، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2020م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى