عاممقالاتمقالات الرأي

قوة لغة ومأساة أمة..!!

 

د. يونس ملال

تُقاس قوة أي لغة وثراؤها بأمرين:
قوتها الذاتية، وثروتها العلمية والأدبية.
واللغة العربية من جهة بنيتها الذاتية تمتلك خاصتين لا تملكهما أكثر اللغات هما: الثبات في القواعد والمرونة في استحداث كلمات جديدة لمعانٍ جديدة أو استيعابها من لغات أخرى. .
أما الثبات ففي القواعد من تركيب الجمل وأشباهها، وضبط الإعراب رفعا وخفضا ونصبا..إلخ، فأظهر دلالاته أن اللغة التي كتب بها شعراء المعلقات في الجاهلية هي ذات اللغة التي نكتب بها اليوم.. ونحن نفهم قصائد امرئ القيس منذ 16 قرنا ونفهم القرآن الكريم منذ 14 قرنا في حين لا يفهم أكثر البريطانيين لغة شكسبير التي كتبت منذ وقت قصير..!!
وأما المرونة ففي استيعاب الجديد فهي في النحت والاشتقاق.. فالكلمة الواحدة يمكن أن تشتق منها عشرين كلمة..!! فضلا عن التعريب والاختصار وغيرهما.. وأوضح مظهر لذلك أن الله تعالى اختارها لتستوعب آخر وحي ينزل إلى الأرض ويتضمن (القرآن) الكلام العربي وهداية الله ورسالته إلى كل الناس..
وإذا أضيف إلى ثبات القواعد ومرونتها العراقة الزمنية للغة العربية، تبين لنا حجم المخزون الأدبي والعلمي والحضاري الهائل الذي تتمتع به اللغة العربية من جهة ثروتها.. فأين اللغات الحية اليوم من عمر اللغة العربية؟؟
وأوضح مثال على ذلك اللغة الفرنسية.. ولعل من أوائل من كتب بها هو رنيه ديكارت في حدود سنة 1556م فهي بالحساب الزمني لا تصل إلى درجة الحفيد العاشر للغة العربية!! فضلا عن عدم الاستقرار والتغير المستمر الذي يطرأ عليها، والذي استدعى تدخل السلطات لحمايتها أحيانا..!!
لذا يمكننا القول بارتياح إن مأساة اللغة العربية اليوم هي في العرب وليس في نفسها..!! فالعربية لغة عريقة قوية وثرية بتاريخها الحضاري.. لكن اللغات من جهة أخرى تحيا بحياة أهلها وتموت بموتهم..!!
ومن هنا فعندما لا يقدم العرب إسهامات علمية وأدبية ومنجزات اقتصادية وتقنية ونشاطات تنموية وحضارية؛ فإنهم يحكمون على لغتهم بالموت وعلى أبنائهم بالتبعية للغات أخرى..!!
من هنا فالعنوان الكبير لتفسير ما تمر به اللغة العربية من إهمال وما يمر به العرب من افتتان بلغات أخرى اليوم هو: قوة لغة ومأساة أمة..!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى