عام

“كيف أثّر البعد الشرعي عند عمر المختار في تحديد خياراته السياسية” (أثناء الغزو الإيطالي)

 

 

 

فرج كُندي

 

الغزو الإيطالي لليبيا:

منذ قيام الوحدة بين الإمارات الإيطاليَّة المتناحرة، وتأسيس مملكة إيطاليا الموحدة في 1861م، شرعت لتكوين مستعمرات لها للِّحاق بركب الدول الأوروبية الكبرى كبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا.  لاستعادة سلطانها القديم على البحر الأبيض المتوسط، بكونها وريثة الإمبراطورية الرومانية وكانت لديها مخططات لاحتلال ليبيا، وكان هذا التخطيط قد حظي بموافقةٍ قديمةٍ من بريطانيا وفرنسا، وذلك في مقابل سكوت إيطاليا عن احتلال بريطانيا لمصر، وفرنسا لتونس في صفقة سياسية لتقاسم ممتلكات الدولة العثمانية. (الرجل المريض كما كانت تسمى)

عادت ليبيا إلى الحكم العثماني المباشر في عام 1835م، ولكن لم تنل الرعاية الكاملة، سواءٌ من الناحية الإداريَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، أما من الناحية العسكريَّة والأمنيَّة، وما زاد الأمر سوءًا، فهو كثرة تغيير الولاة في فترات قصيرة مما عطّل أي محاولة إصلاح في هذه الولاية التي تتربص بها القوى الاستعمارية.

 

إعلان إيطاليا الحرب على طرابلس

 

في 28 سبتمبر 1911م أرسلت إيطاليا إنذارًا مفاجئًا إلى الدولة العثمانية تُهدِّد فيه باحتلال ليبيا، ولما كانت إيطاليا لا تريد إضاعة الوقت بإجراء مفاوضاتٍ لا جدوى منها؛ قرَّرت احتلال طرابلس الغرب وبرقة عسكريًّا، صيانةً لكرامتها وحفاظًا على مصالحها! إن إيطاليا تزعم في هذا الإنذار أن مشاريعها من أجل تقدُّم ليبيا معاقةٌ بالموظَّفين العثمانيِّين، ولهذا فهي ستحتلُّ ليبيا من أجل تنفيذ مشاريعها الحضاريَّة! وحذَّرت إيطاليا الدولةَ العثمانية من إرسال أساطيل عسكريَّة إلى ليبيا.

أمهل الإيطاليون الدولة العثمانية يومًا واحدًا لتنفيذ هذا المطلب، وهو الاستسلام الكامل والتسليم بسيادة إيطاليا على ولاية طرابلس الغرب.

كان ردُّ فعل الدولة العثمانية ضعيفا ومترددا بعيدا عن الحزم والرفض القاطع لهذه المهلة المهينة. سعت بعض الدول الأوروبِّيَّة شكلا إلى وساطة بين إيطاليا والدولة العثمانية، لكنَّها لم تتلقَّ ردًّا في تواطؤٍ ظاهرٍ مع إيطاليا.

قامت الدولة العثمانية بإرسال رسالة شبه استجداء للحكومة الإيطالية؛ ذكرت فيها أن الحكومة العثمانية لا تضمر أيَّ عداءٍ للمشاريع الإيطاليَّة في طرابلس الغرب وبرقة، وأنها مستعدَّةٌ لتطمين جميع المطالب الإيطاليَّة، ولكنها ترفض الاحتلال الإيطالي لليبيا، لكن  إيطاليا تجاهلت الردَّ، وقامت بإعلان الحرب على ليبيا في 29 سبتمبر 1911م.

 

غزو إيطاليا لليبيا 1911

 

في 5 أكتوبر 1911م وصلت الأساطيل الإيطاليَّة إلى السواحل الليبيَّة، وتمَّ الإنزال في ظلِّ ضعف الحاميات التركية، ولا تمتلك أسطولًا يدافع عن المدن الساحلية التي هب جميع أبناء ليبيا إلى المعسكرات وشكلوا تجمعات مقاومة شاركت في مقاومة القوات الإيطالية التي نزلت على اليابسة لتبدأ مرحلة الجهاد طويلة في سبيل الله دفاعا عن الوطن.

تطوَّع عددٌ من الضبَّاط الأتراك؛ أشهرهم إسماعيل أنور بك (سيُصبح لاحقًا وزير الحربيَّة الشهير أنور باشا)، ومصطفى كمال (أتاتورك)، عند وصول الضبَّاط الأتراك إلى ليبيا قاموا بتجميع أفراد الحامية العثمانيَّة، وعقدوا لقاءات مع رؤساء القبائل الليبيَّة، وكوَّنوا فرق مقاومة ودارت بينهم وبين الإيطاليِّين عدَّة معارك، وكبَّدوهم خسائر فادحة استمرَّت أحد عشر شهرًا كاملة، إلى أكتوبر 1912م، ولم يُحقِّق الإيطاليون تقدُّمًا كبيرًا على الأرض الليبيَّة، على الرغم من فارق التسليح والعدد لصالح الإيطاليين. شهدت هذه المعارك الطيران الحربي للمرَّة الأولى في تاريخ العالم. كان الطيَّار الإيطالي كارلو بياتزا Carlo Piazza هو أول من قام بطلعة جوية حربية في 23 أكتوبر 1911م، وفي أول نوفمبر 1911م أُلْقِيت أول قنبلة في التاريخ على الشعب الليبي بواسطة الطيار الإيطالي چيليو جاڤوتي.

 

انسحاب تركيا من ليبيا بعد معاهدة لوزان

 

في شهر أكتوبر 1912م قامت حروب البلقان، حيث أعلنت دول الجبل الأسود، وصربيا، وبلغاريا، واليونان، الحرب على الدولة العثمانية مما أرغمها على عقد معاهدة (أوشي لوزان)، وتُعْرَف أيضًا بمعاهدة لوزان الأولى في 18 أكتوبر 1912 مع إيطاليا لإنهاء الحرب في ليبيا، وبهذه المعاهدة فقدت الدولة العثمانية هذا الإقليم المهم، وسقطت ليبيا تحت الاحتلال الإيطالي الذي استمر إلى الحرب العالمية الثانية، وهزيمة دول المحور ومنها إيطاليا التي انسحبت قواتها من ليبيا سنة 1943.

خاض الشعب الليبي فيها أشرف معارك العز والفخار سطرها التاريخ ضد استعمار استيطاني استئصالي يحمل حقدا صليبيا ممزوجا بحلم إعادة إمبراطورية وثنية كانت تحتل هذه المنطقة.

لقد واجه الشعب الليبي هذه القوة الغاشمة أكثر من ثلاثة عقود، قدم قرابة مليون شهيد ولم تلِن له عريكة برز خلالها قادة كبار لهم خيارات سياسية تأثرت بالخلفية الشرعية التي أثرت في تكوينهم الشخصي وكان لها الأثر الأبرز في خياراتهم السياسية ومنهم شيخ الشهداء عمر المختار رحمه الله؛ وهذا ما سوف يكون موضوعنا في المقالة التالية..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى