كيف حالنا ورمضان قد أقبل
يستعد الناس في كل عام لاستقبال شهر رمضان، كل على شاكلته، فمنهم من شغله إعداد ما يحتاج إليه من طعام وشراب، ومنهم من شغله أين سيمضى سهرات ليالي رمضان، وهناك من هو مشغول بمتابعة المسلسلات والحفلات، وهناك من استعد لترتيب أنواع الطاعات والصلوات، والمساجد التي سيصلي فيها، وهكذا…
لو سأل المسلم نفسه سؤالا مهما، وهو ماذا يريد منا ربنا في حياتنا كلها، وماذا يريد منا بالخصوص في هذا الشهر الكريم؟
فالإجابة الأولى كانت في قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ اُ۬لْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِۖ}، وقوله سبحانه وتعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِے وَنُسُكِے وَمَحْيَآےْ وَمَمَاتِيَ لِلهِ رَبِّ اِ۬لْعَٰلَمِينَ}، فحياة الإنسان كلها هي لله عبادة وسلوكا وحركة وتفاعلا، وهو في عبادة دوما سواء كان يعمل في عمله المعتاد أم في المسجد، في بيته أم في الشارع وبين الناس، فكل حياته لله.
وإجابة السؤال الثاني يعلمنا ربنا فيقول سبحانه وتعالى: {يَٰأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ اُ۬لصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي اَ۬لذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، وقال سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ اَ۬لذِے أُنزِلَ فِيهِ اِ۬لْقُرْءَانُ هُديٗ لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ اَ۬لْهُدَيٰ وَالْفُرْقَانِۖ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ اُ۬لشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ على سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَۖ يُرِيدُ اُ۬للَّهُ بِكُمُ اُ۬لْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ اُ۬لْعُسْرَۖ وَلِتُكْمِلُواْ اُ۬لْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اُ۬للَّهَ عَلَيٰ مَا هَدَيٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَۖ}، فنحن نعمل بين موقعي التقوى والشكر، فالتقوى الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل، والشكر هو استشعار نعم الله تعالى علينا والاستزادة منها، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِے لَشَدِيدٞۖ}، فمن كان هذا هدفه وهذا حاله، وحينما يسمع قول ربه تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِے عَنِّے فَإِنِّے قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ اَ۬لدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِے وَلْيُؤْمِنُواْ بِے لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَۖ}، فيدرك كم هو قريب من ربه فيتوجه إليه بالدعاء والتبتل، ويعرض عن زخرف الدنيا وغرورها، ويكون حاله كحال رسول الله ﷺ الذي عبر عنه بقوله:(ما لي وما للدُّنيا، ما أنا في الدُّنيا إلَّا كراكبٍ استَظلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وترَكَها).
شهر رمضان قد أضاء الكون بنوره وسناه، وأبواب الجنة قد هيئت، وأبواب النار قد أغلقت، وصُفِّدت مردة الشياطين، وضوعفت فيه الأجور، وتعددت فيه الأعمال الصالحات، ويُبَارك فيه رزق المؤمن، ويتجلى فيه المولى بالرحمات، وله في كل ليلة عتقاء من النار، والفائز من نال رضوان الله، ونجاه الله من النار، والخاسر من جاءته الفرصة فضيعها في الأكل والشرب والملاهي، وفي الحديث أنَّ النَّبيَّ ﷺصعِدَ المِنبَرَ فقال آمينَ آمينَ آمينَ، ثمَّ قال مَن أدرَك رمضانَ فلم يُغْفَرْ له فأبعَده اللهُ، قولوا آمينَ، ومَن أدرَك والِدَيه أو أحدَهما فلم يُغْفَرْ له فأبعَده اللهُ، قولوا آمينَ، ومَن ذُكِرْتُ عندَه فلم يُصَلِّ عليَّ فأبعَده اللهُ، قولوا آمينَ).
أبواب الخير والأعمال الصالحات كثيرة ومتعددة، والموفق من اغتنم أفضلها وأرضاها لله، وأكثرها أجرا، ولا شك أن تفريج الكربات وإدخال السرور، ومعاونة المحتاج والمظلوم من أفضل الأعمال، يقول رسولنا ﷺعندما سئل عن أحَبِّ الناس وأحَبِّ الأعمال إلى الله، فقالﷺ: (أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ أعْتَكِفَ في هذا المسجدِ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، ولَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ، وإِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ)، ولا شك بهذه المناسبة لابد أن نَذْكر ونُذَكِّر بإخواننا من أهل درنه ونشاركهم مصابهم وألمهم ونمد لهم -ما استطعنا- يد العون، ونخفف همهم ونسد حاجتهم، دون مَنٍّ ولا تفضل، بل أداء للواجب مع شعور بالتقصير، واعتذار عن هذا القليل، وكذلك إخواننا في رحاب المسجد الأقصى وما حوله من القطاع والضفة وما يعانونه من انتهاك وقتل وتجويع وتهديم للبيوت والبنية التحتية، ومشاركتنا لا تكون فقط بالكلمات، وإنما الدعاء لهم في كل الأوقات وبذل المال من خلال المؤسسات العاملة في هذا السبيل، وتبني الدفاع عنهم في كل موطن يجد المسلم فيه سبيلا، وهنا لا بد أن ندعو حكومتنا وكل السياسيين والمتنفذين في بلادنا لبذل الوسع في تبني القضية في كل المحافل، والضغط على كل الدول التي تربطنا بها علاقات اقتصادية قوية أن تقف موقفا قويا ومشرفا للضغط على حكومة الكيان الغاصب من أجل إيقاف الحرب وعودة النازحين وفتح المعابر والمنافذ لدخول المساعدات بكل أشكالها وأنوعها مما يحتاج إليه الناس.
إن الأمة مدعوة لوقفة جادة مع نفسها، من أجل الخروج من مستنقع الذل والخوف والانهزام، أمام قوى الغطرسة والجبروت، وتوحيد كلمتها وترك الخلافات بينها جانبا ، فكرامة الأمة وحياتها في خطر، وبعد ذلك ننتظر موعود الله بالنصر والتمكين، {واللَّهُ غَالِبٌ عَلَيٰ أَمْرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ اَ۬لنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}. اللهم كما بلغتنا شهر رمضان فاجعله شهر خير وبركة وأعنّا فيه على ما يرضيك، واجعله شهر نصر وفرج وتمكين، اشف فيه كل مريض، وارحم فيه والِدِينَا وجميع موتى المسلمين، واعتق فيه رقابنا ورقاب آبائنا من النار، واجعل لأهلنا في القدس وغزة والضفة فرجا ومخرجا ونصرا وتمكينا يارب العالمين، والحمد لله رب العالمين.