الكلمة الأسبوعيةعام
كيف نستقبل رمضان؟
أهلّ علينا شهر شعبان بخيره وبركاته، بعون الله تعالى، وبعده يهِلُّ شهر القرآن؛ شهر الصيام؛ شهر رمضان، الشهر الذي فرض الله صيامه، وسنَّ لنا الحبيب المصطفى قيامه، وفي الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ”من صام رمضان وقامه، إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” رواه البخاري ومسلم
بقيت أيام قليلة وليال معدودة حتَّى نشْرُفَ باستقباله -إن أمدَّ الله في أعمارنا- فماذا نحن فاعلون؟ حتى يكون الاستقبال لائقا بهذا الشهر الكريم، ونسعد به، ونفوز بجوائزه؟
يتفاوت الناس في الاستعداد لهذا الشهر الكريم، فطائفة ترصد المال الكافي لمصاريف الطعام والشراب، وما يتعلق بالعيد من ملبوس ومأكول، بل ويبدأ الصرف حتى قبل دخول الشهر، فتُشْتَرى الأدوات والمعدات الخاصة بالمطبخ وسفرة الأكل، وطائفة أخرى تبدأ في ترتيب السهرات ودعوات الطعام والحفلات الليلية، وطائفة أخرى تفكر في السفر لقضاء رمضان مع الأحباب سواء داخل البلاد أو خارجها، وأخرى تفكر في الربح الذي ستحققه من خلال التجارة، أو العمل في المصنع، أو غير ذلك من الأعمال التي تحقق أرباحا مادية، وهناك غيرهم، والجميع مشترك في الاهتمام بالجانب المادي من مطعم ومشرب ومتعة.
قليل من الناس من يكون اهتمامه بالجانب الروحي الإيماني العبادي لهذا الشهر الكريم، ممن يهتمون بوضع برنامج يومي من صلاة وذكر وقرآن وتراويح وتهجد، ورغم أن الأعم الأغلب من رواد المسجد في صلاة التراويح، والذين يعطونها أهمية أكثر من حضور صلاة الفريضة في جماعة، تجدهم حريصين على الصلاة في المسجد الذي لا تستغرق فيه الصلاة وقتا طويلا، ورغم ذلك هناك من همُّهم القيام بهذه الطاعة على الصورة الصحيحة التي تقربهم من المولى سبحانه وتعالى، فتجدهم يقضون وقتا طويلا مع كتاب الله تعالى، والصلاة في المسجد جماعة، والذكر، كما أنهم يحرصون في هذا الشهر الكريم على البر وصلة الرحم وحسن الخلق.
وهنا لابد من التذكير بالهدف الأسمى من الصيام بعد كونه طاعةً لله سبحانه، وسببا في رضاه جل في علاه، فقد بين الله الغاية من ذلك، فقال سبحانه “یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ”، فجعل سبحانه الهدف من ذلك هو التقوى، وهي أسمى ما يمكن أن يصل إليه العبد، فينال محبة الله “فَإِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِینَ”، ويحظى بمعيته “وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِینَ”، وهي سبب الفلاح “وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ”، وهي مفتاح العلم “وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۖ وَیُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُۗ”، وهي سبب الفوز بالجنة “لِلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتࣱ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَا وَأَزۡوَ ٰجࣱ مُّطَهَّرَةࣱ وَرِضۡوَ ٰنࣱ مِّنَ ٱللَّهِۗ”، كما أنها وسيلة لبوغ مقام الشكر “فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ”، وهي وسيلة للنجاة في الآخرة وذهاب الحزن والسوء”وَیُنَجِّی ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ٱتَّقَوۡا۟ بِمَفَازَتِهِمۡ لَا یَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ”، بالإضافة إلى كونها مفتاح تيسير الأمور “وَمَن یَتَّقِ ٱللَّهَ یَجۡعَل لَّهُۥ مِنۡ أَمۡرِهِۦ یُسۡرࣰا”، وهي أيضا مفتاح أبواب الرزق من حيث لا نحتسب “وَمَن یَتَّقِ ٱللَّهَ یَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجࣰا وَیَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَیۡثُ لَا یَحۡتَسِبُۚ”. هذه وغيرها مما يكسبه المؤمن من تقوى الله، فهل يكون لنا هدف نستعد له وأمر نسعى له غير هذا الهدف النبيل والعمل السامي؟
هذا ما يجب أن يسعى له المسلم خلال هذا الشهر، وهو ما ينبغي أن يستعد له، وينتبه إلى كل الأسباب التي تعينه؛ فيأخذ منها بالقدر المناسب والكافي، وما كان سببا في إعاقته ومنعه من الاستفادة من بركات ونفحات هذا الشهر الكريم فيبتعد عنها.
ومجالات الاستفادة كثيرة ومتعددة، ولا يحصرها الإنسان في المسجد أو العبادات، ولكن بالإضافة إلى كل ذلك هناك تفريج الكُرَب وإعانة المحتاجين، والتخفيف من معاناتهم. وهنا لا يفوتنا أن نذكر إخواننا التجار سواء في المواد الغذائية أو الملابس والمواد المنزلية، نذكرهم بضرورة مراعاة أحوال الناس وظروفهم، وعدم المبالغة في رفع الأسعار، وخاصة في الحاجات الأساسية، كما نُذَكِّر المؤسسات العامة والخاصة بالاستعداد الجيد لعمل البرامج التي تعمل على توعية الناس بما يتوجب عليهم في هذا الشهر الكريم؛ من السلوك الحسن، إلى العبادة الحسنة، إلى مساعدة الغير، ولا شك أن التعاون على مثل هذه البرامج سيحقق الكثير من الفائدة، وأيضا الاستعداد لتقديم المعونات لمستحقيها، وتوفير ما يحتاجونه دون الحاجة إلى السؤال، وتفقد الحالات الصعبة منهم، والتعاون مع الجميع لتحقيق هذا الاكتفاء، ولنتذكر قول المصطفى : (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، وقوله : (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه البخاري ومسلم
اللهم بارك لنا في شعبان، وبلغنا رمضان، وأعنا فيه على طاعتك وحسن عبادتك، وتقبله منا إيمانا واحتسابا، واجعله شاهدا بالخيرات لكل المسلمين والمسلمات، يا رب الأرض والسماوات، يا رب العالمين.