عاممقالاتمقالات تربوية

لا سبيل إلى إحياء القلوب وتربية الرجال وبناء الأمة إلا بالعودة إلى خلق رسول الله ﷺ.

بن سالم باهشام

خطيب مسجد أم الربيع بخنيفرة سابقا

عباد الله، يقول تعالى في سورة الأحزاب: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21]، هذه الآية الكريمة، تتحدث عمن ينبغي أن يكون للمؤمنين أسوة حسنة، ويأتي التساؤل، لماذا التأسي بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم؟

والجواب؛ لأنه المثال الأعلى للإنسان الكامل، ولأن سيرته ﷺ ترجمة حية للقرآن، فمن أراد أن يرى القرآن يمشي على الأرض، فلينظر في خلق محمد ﷺ، فهو الباب والطريق إلى محبة الله تعالى، قال سبحانه في سورة آل عمران: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران:31]، فالرسول صلى الله عليه وسلم، هو المثال المتكامل في الأخلاق، وقد كان خلقه القرآن، لهذا اعتبر الصحابة رضي الله عنهم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم تجسيدًا للقرآن نفسه، لأنه كان يطبق تعاليم القرآن عمليًا في كل أقواله وأفعاله وسلوكه، فكان خلقه صورة حية للقرآن، روى أحمد في المسند، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرِينِي بِخُلُقِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: ( كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [ رواه أحمد: 24645]،  أي أن أخلاقه كانت انعكاسًا عمليًا لما جاء في القرآن من مكارم الأخلاق والرحمة والصدق والعدل، والقرآن نفسه أثنى على أخلاق النبي بقوله في سورة القلم: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]، وهذا دليل على أن خلقه صلى الله عليه وسلم، كان فريدًا ومثالًا للفضيلة.

عباد الله، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة في تطبيق أوامر الله ونواهيه، وتجسيدًا عمليًا لهدي الله تعالى، فكل ما أمر به القرآن كان يفعله، وكل ما نهاه عنه كان يجتنبه، فكان القرآن هديه في كل أحواله، لهذا أمر الله المسلمين باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في قوله تعالى من سورة الأحزاب: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)،  مما يؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم، هو النموذج العملي للقرآن في الأخلاق والسلوك، والصحابة الذين فهموا القرآن بفطرتهم العربية، فوجدوا في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، تطبيقًا عمليًا لمعاني القرآن، فكانوا يرون فيه تجسيدًا حيًا لكلام الله تعالى، وهذا ما جعلهم يصفون أخلاقه بأنها القرآن نفسه.

عباد الله، إن الصحابة رضي الله عنهم، وصفوا أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، بأنها “القرآن”، لأنه كان يعيشه ويطبقه في حياته، فكان خلقه هو ترجمة عملية لكلام الله، وهو القدوة التي أمر الله باتباعها، وهو القدوة التي يجب أن يُحتذى بها في كل زمان ومكان، لهذا لابد من الاقتداء الكامل بالنبي صلى الله عليه وسلم، في كل جوانب الحياة، لأن ذلك سبيل المؤمنين إلى الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، لهذا يجب التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم الانسياق وراء من ينهى عن ذلك.

عباد الله، التأسي يعني الاقتداء، والاقتفاء، ويقصد به في الآية، اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة في جميع الأفعال والأخلاق، لهذا اعتبر التأسي بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم، شعبة من شعب الإيمان السبع والسبعين، أما مكانة هذه الشعبة من الدين، فإنها تحتل المرتبة الرابعة من شعب الإيمان، بعد حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والحب في الله، وصحبة المؤمنين وإكرامهم، لما لهذه الشعبة من مكانة في بناء شخصية المؤمن على أخلاق وسلوك النبي محمد صلى الله عليه وسلم، باعتبارها مدخلاً أساسياً إلى كمال الإيمان، والمحبة الحقيقية للرسول صلى الله عليه وسلم.

عباد الله، إن التحلي بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، هو طريق لمحبة الله وكمال الإيمان، وهو أساس لتربية النشء على القيم الراقية، والهدف الأساس من هذه الشعبة، هو إحياء السنة النبوية، والسير على بصيرة، حيث إن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، في خلقه، هو أساس للإيمان والعمل الصالح، وهو جزء من التصور المنهاجي النبوي الذي به تحيى الأمة، ويقودها نحو العدل والإحسان الذي أمر الله به في أجمع آية في القرآن، ليتم تكامل التربية الإيمانية والجهاد، وذلك بالجمع بين الإحسان الفردي، والجهاد الجماعي لإقامة العدل، روى ابن جرير الطبري في تفسيره، أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ” الآية). [ رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (14/ 109)]

عباد الله، إن شعبة التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في خلقه، والتي هي الشعبة الرابعة من شعب الإيمان السبع والسبعين، ركيزة أساسية في بناء الإيمان الحقيقي والسلوك الإسلامي، وهي خطوة عملية لتحقيق الصحبة والجماعة على خطى النبي صلى الله عليه وسلم، وهي دليل على المحبة والإيمان، وتعني هذه الشعبة؛ أن يقتدي المسلم بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وصفاته السلوكية، فهي امتداد لمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، في كل جوانب الحياة.

عباد الله، التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم في خلقه، يعني أن يكون المسلم قدوة في حسن الخلق، والرحمة، والعدل، والحياء، وكل ما يرضي الله ويكمل شخصية الإنسان المسلمة.

عباد الله، إن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في خلقه، هو طريق للترقي في مدارج الإيمان والإحسان، والاقتداء به يجب أن يكون طوعًا وعفوية لا تصنعًا أو تكلفًا، لهذا لا تتحقق هذه الشعبة، إلا بتحقق الشعب الثلاثة التي قبلها، والتي هي حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والحب في الله، وصحبة المؤمنين وإكرامهم، والتأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم في خلقه، يؤدي إلى الاستجابة لأمر الله تعالى، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، والقرب من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، كما ورد في الحديث الشريف الذي رواه البخاري في الأدب المفرد، وأحمد في المسند، والخرائطي في مكارم الأخلاق، عن ابن عمرو رضي الله عنهما، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا أخبركم بأحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة؟ أحسنكم خلقًا) [أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1/104، رقم 272)، وأحمد (2/185، رقم 6735)، قال الهيثمي (8/21): إسناده جيد، والخرائطي في مكارم الأخلاق (32/26)]، والتأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم في خلقه يؤدي إلى بلوغ درجة كمال الإيمان، لأن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقًا،  كما أن التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم في خلقه، يؤدي إلى البعث على ما مات عليه الإنسان، فالمتأسّي بالنبي صلى الله عليه وسلم يبعث في زمرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وصحبه رضي الله عنهم أجمعين.

عباد الله، إن التأسي الكامل بالرسول صلى الله عليه وسلم في خلقه، هو أساس الإيمان الحقيقي، وطريق الفلاح، وغاية الدين، وهو ما يجب أن يعيشه كل مسلم في سلوكه وأخلاقه. وهذا التأسي لا يكون فقط في الأقوال، بل في الأفعال والمعاملة مع الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم، هو القدوة التي يجب أن يُحتذى بها في كل جوانب الحياة،  لأنه هو “الأسوة العظمى” التي يجب أن نقتدي بها اقتداءً كاملاً، ومن لا يعظم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد طمس الله قلبه وبصيرته.

عباد الله، التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم في خلقه، يعني السير على منهج القرآن الكريم الذي هو أساس الفكر، وأساس المنهج في بناء الإنسان والمجتمع.

والاقتداء الكامل بالنبي صلى الله عليه وسلم، في أخلاقه وسلوكه، هو أساس الإيمان والنجاح في الدنيا والآخرة، وأن هذا التأسي لا يكون إلا بشروط روحية ذكرتها الآية، مثل رجاء الله، ورجاء الآخرة، وذكر الله الكثير.

عباد الله، إن التأسي بخلق الرسول ﷺ يحتل مكانة مركزية في الإسلام، ويُعدّ من مرتكزات تربية المؤمن الكامل في المشروع التغييري، إذ الاقتداء به ﷺ في خلقه هو طريق السلوك الإيماني والإحساني، الذي يربط الإنسان بالله، ويقوده إلى الكمال الروحي، والمحروم هو من لا يعظم الجناب الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى قد طمس قلبه وبصيرته. فيلزمنا أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، الاقتداء الكامل، حتى نندرج في سلك المؤمنين الذين (آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ، أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.[ الأعراف: 157].

عباد الله، إن من تلبيس إبليس لبعض الناس، اعتقادهم أنه يكفي التأسي بالرسول صلى الله عليه في المظهر فقط، في حين أن حقيقة التأسي بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يكون فقط بــالمظاهر، بل يجب أن يكون في الصدق والرحمة والحياء والحلم والزهد والخدمة والشورى والجهاد…، لهذا يجب أن يتجسد فينا خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا مجرد ذكراه.

عباد الله، إذا استوعبنا أهمية هذه الشعبة، فإن ذلك يدفعنا حتما إلى التطلع والتشوف لمعرفة الوسائل التربوية الواجب اتخاذها للتأسي بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي تتجلى أساسا في الصحبة الصالحة التي تعين على الاقتداء، ومجالس الذكر والقرآن التي توقظ القلب، وجهاد النفس لكسر الغرور والتكبر والأنانية، بالإضافة إلى المطالعة المحبة للسيرة، وليس التثقيف الأكاديمي فقط، أما نتائج التأسي بخلق الرسول صلى الله عليه وسلم، فتتجلى في تزكية القلب، وترسيخ الأخلاق النبوية في المجتمع، وإحياء السنة في واقع الأمة، وتكوين جيل رباني يعمل على التغيير، ولا سبيل إلى بناء الأمة إلا بالعودة إلى خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، نُحيي به القلوب، ونبني عليه الرجال.

عباد الله، لقد كان خلق النبي صلى الله عليه وسلم تجسيدًا عمليًا للقرآن، والاقتداء به في خلقه صلى الله عليه وسلم؛ هو طريق السلوك الإيماني والإحساني الذي يربط الإنسان بالله، ويقوده إلى الكمال الروحي، والتربية الحقيقية التي تهدف إلى تغيير الفكر والقلب والميول؛ وصولًا إلى الإحسان، وهو أعلى مراتب الإيمان.

عباد الله، إذا كان التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في خلقه، هو التعبير العملي عن الاقتداء بالقرآن، وهو شرط أساسي للسلوك الإيماني الصحيح، وبناء الإنسان الكامل، وتحقيق الغاية من الدين، وهو طريق الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، فلنسع جاهدين ليكون لنا حظ وافر من هذه الشعبة الرابعة من شعب الإيمان.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون إلى يوم الدين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى