اجتماعيةعاممقالاتمقالات تربوية

لن أجاملك ولن أكذب عليك

أ. فرج كريكش

لن أجاملك ولن أكذب عليك وخذها مني واضحة صريحة لا تقبل النقض ولا الاستئناف

إذا وجدت نفسك في سعة من الرزق وبحبوحة من العيش ووجدت توفيقا يلازمك بينما أنت غارق في الذنوب والمعاصي فإنك تتعرض لواحدة من أشد العقوبات التي ينزلها الله على العبد !! فانتبه وعُد من قريب لأنك بحق في خطر داهم

في سجن عين زارة السياسي التقيت في زنزانة فردية برجل أعمال ليبي يدير شركة كبيرة لتأجير السيارات في سويسرا قصته تستحق أن تكتب في رواية بقلم أشرف المزوغي
وبينما كنت أتخير مفرداتي لمواساته مبشرا إياه بالفرج القريب وبأنه سيعود عن قريب لبيته وأهله وشركته فابتسم قائلا :
هل تصدق يا صاحبي أنني بت أخاف من الغنى والثراء
هل تصدق أنني ما تنفست الصعداء وأحسست بالسعادة الغامرة إلا في هذا القعر المظلم
لقد خرجت من ليبيا فارا ً بديني ففتح الله عليا فتحا مذهلا لا يمكنك تصوره ورزقني أموالا ً طائلة أقلها هذه الشركة ولكن سولت لي نفسي الفسوق والعصيان وتهت عن ديني فلم أستفق من نزقي إلا على وقع السياط في عين زارة
لقد استوقفني كثيرا خوفه من الغنى كما استوقفتني كثيرا هذه الآيات من سورة الزخرف حد الدهشة !

يقول الله تعالى : ﴿وَلَولا أَن يَكونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلنا لِمَن يَكفُرُ
بِالرَّحمنِ ) ماذا ؟
فقرا أم هما أم غما ًأم عسرا أم فاقة أم عوزا ؟
كلا ، وهاك المفاجأة
( وَلَولا أَن يَكونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلنا لِمَن يَكفُرُ بِالرَّحمنِ لِبُيوتِهِم سُقُفًا مِن فِضَّةٍ !!
وَمَعارِجَ ( سلالم ) عَلَيها يَظهَرونَ ، وَلِبُيوتِهِم أَبوابًا وَسُرُرًا عَلَيها يَتَّكِئونَ وزخرفا )
هل تتخيل معي هذه الفخامة أسقف مطرزة بالفضة وسلالم ودرج من معادن نفيسة وأبواب تضاهي أفخر قصور الباروك
كل هذا لمن ؟
لمن يكفر بالرحمن ؟
نعم !! لأن ثروة بيل جيتس الطائلة ومشروعات إيلون ماسك الأسطورية وخزائن قارون الفاحشة الثراء لا تساوي عند الله جناح بعوضة !
ولولا أن يفتن الناس ركضا وراء المادة ويرتموا جميعا في معسكر الباطل لأعطاها كلها للكفار لهوانها عليه

أتعرف ما أثمن شيء يعطيه الله لمن يحب ؟
إنها الهداية !!
والتي لا يمكن أبدا أن يمنحها لمن لا يحب !!
فإن الله لا يهدي القوم الظالمين ولا الكافرين ولا الفاسقين ولا يهدي من هو مسرف كفار كذاب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين
أما الدنيا فشأنها عند الله زهيد رخيص يمنحها لكل من هب ودب ولو كانت تسوى عنده جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء !

إن الله لا يكره لعباده الغني ولا اليسر ولا السعة ولا الرفاه ، والمؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضَّعيف ولكن الله يعلم كم فتنت هذه الأموال من عبّاد ونسّاك وصالحين دخلوا معترك المال بتشوف وشغف واستسهال فلم يخرجوا منه إلا ضُلّالا أو سُكارى

حينما يحبك الله يؤثر لك الهدى على الغني ويرزقك بقدر حتى تثبت بسلوكك أنك أهل للجمع بينهما والصدقة برهان ، أو أن تثبت أنك ما تريد إلا الدنيا ومالك في الآخرة من خلاق ، والفسق لا يحتاج لبرهان !

﴿وَلَو بَسَطَ اللَّهُ الرِّزقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوا فِي الأَرضِ وَلكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبيرٌ !! بَصيرٌ ﴾

راقب حياتك وأحداثك اليومية بفطنة ودقة وانتباه، و كلما اتسع رزقك فليرى الله منك ما يحب ، شكرا وانفاقا ً وتواضعا وزهدا ، فذلكم امتحان وفسحة لتشهد على نفسك قبل غيرك إن كنت مؤهلا لسعة الرزق ؟ أم أنها خطر عليك عظيم ُ

لقد قتل العبد الصالح الغلام لأنه كان سيرهق أبويه طغيانا وكفرا ، وأقام جدار الغلامين في المدينة لأنهما تربيا تربية صالحة تحصنهم من سطوة المال وتأثيره على أخلاقهما وسلوكهما، فهل ربيت أولادك كتلك التربية أم أن تربيتك الخاطئة التي غفلت عنها وأنت تجمع الأموال ستحرمهم الرزق أو تدخلهم النار ؟

ثق في اختيار ربك وحسّن من أدائك سلوكا وشكرا وصدقةً ما استطعت لتستأهل الزيادة ، وإذا تأخرت العطية فإياك أن تقول أو تظن أن يد الله مقبوضة أو مغلولة سبحانه بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ولكن الزرع لم ينضج وأوان القطف لم يحن بعد !!

وما ذلك إلا لأنه يحبك وإلا لما بالىَ الله بك في أي واد هلكت !

خذ نصيحتي وإذا عرض عليك مارد المصباح أن يستعجل أحلام يقظتك وأمنياتك، فابتسم وقل له شكرا ، إنما أريد رضا الله وعفوه وتدبيره وترتيباته

سلسلة مقالات كيمياء السعادة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى