مقالاتمقالات فكرية

ماهية المثقف

الشيخ / عبد الله الشلماني

في تقديري، أن الإشكال يبدأ أولاً من التعريف. وهو ما أشار إليه الدكتور عبدالكريم بكار في كتابه الماتع (تكوين المفكر) حيث يعرف المثقف بأنه:

“شخص تجاوز تخصصه الأساسي، و وسّع دائرة اهتمامه على صعيد القراءة والمطالعة وعلى صعيد (التأثير) في آن واحد .. فهو في خطابه يستهدف شريحة واسعة من الناس، وهو في الوقت نفسه يمتلك ملاحظات نقدية ويُنتج أفكاراً ومفاهيم ذات طابع تقني علاجي تتصل بتطوير الواقع واستشراف المستقبل“

واللافت في هذا السياق هو ما يُضيفه الدكتور (بكار) فيقول: “وهو -أي المثقف- على خلاف الداعية أو المُصلح لا يوسّع دائرة احتكاكه بالجماهير.. فقلمه ولسانه هما الجسر الذي يَعبُر من خلاله إلى عقول الناس وقلوبهم، وبالتالي فربما كان لقب (المثقف) ألصق ما يكون بمن يمكن تسميتهم بـ (الشخصيات العامة) من فئة المتعلمين كالكتاب والصحفيين ومُعدي البرامج الإذاعية والتلفازية وكتاب القصص والروايات والممارسين للنقد الأدبي و.. و.. و.. الخ.. وباستقراء تعريفات الكثيرين من الكتاب المعاصرين (للمثقف) نجد أنهم -في مجملهم- يؤكدون على أن (المثقف الحقيقي) هو صاحب دور نضالي في الوقوف إلى جانب الحق، وفي نقد الممارسات الاجتماعية والإدارية والسياسية الخاطئة. إلى جانب اشتراطهم أن يمتلك المثقف الحقيقي روح التضحية بالكثير من مصالحه بل وحتى بسلامته الشخصية من أجل الجهر بآرائه وأفكاره وملاحظاته. ويختصر (نعوم تشومسكي) كل ذلك في كلمات موجزة لحد الإعجاز فيقول: “المثقف هو من حمل الحقيقة في وجه القوة”.

وهنا سأخلص إلى ما أريد تقريره بالقول: أنه وبالرغم من كثرة الحديث في أيامنا هذه عن المثقفين الوهميين أو أشباه المثقفين والذين يجنحون في خطابهم إلى لغة التبرير والتخدير والتزييف، ممن سخّروا أقلامهم وألسنتهم لخدمة جهة ما أو خدمةً لمصالحهم الخاصة ونسوا واجبهم في بيان الحقيقة ومُحاصرة الشر وإنصاف المظلوم وحماية المصالح العامة و.. و.. الخ. إلا أنني أرى -من زاويتي الخاصة- أن هؤلاء لا زالوا -على الأقل- في مرتبة من (النذالة) أعلى شيئاً ما من مرتبة من آثروا الإنزواء والهروب والاكتفاء بالصمت والفُرجة.

ولا يعنيني في قليل ولا كثير ما يسوقه بعضهم من أن المثقفين باعتبارهم “شخصيات عامة” هم ألصق بالواقع من الفلاسفة والمفكرين أصحاب “الصوامع الموصدة والآمنة” مما يجعلهم -أي المثقفين- أكثر عُرضةً للاصطدام بالقوى والاتجاهات الفاعلة على الساحة، وبالتالي فإن غالبيتهم يجدون أنفسهم في مواجهة تحديات أكبر منهم، وبأنهم مهددون في لقمة عيشهم وسلامة عائلاتهم مما يدفعهم بطريقة “لا واعية” إلى الانخراط في مسارات آمنة وبعيدة عن قمع السلطة. لأن الأجدر (من وجهة نظري الخاصة أيضاً) بمن كان هذا حاله أن ينصرف إلى الكدح على لقمة العيش والسعي على العيال بعيداً عن اعتلاء منصة يكون فوقها نجماً أو شخصية عامة ولكنها في الوقت ذاته (داجنة)!؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى