مقالاتمقالات الرأيمقالات فكرية

ما هـــي القيم؟ بين الرؤية القرآنية والرؤية العلمانية-نظام قيم القوة وفرض قانون الغابة.

د. إبراهيم الديب

يبدو أن الأمر في النظرية الغربية للقيم يختلف كثيرًا عنه في الإسلام، بل ويضاده ويتصارع معه

حتى أنه يشكل خطرًا كبيرًا على العالم، وخاصة الدول والمجتمعات الضعيفة، عندما يؤسس نظريته

ونظامه القيمي على القوة وفرض السيطرة وتحقيق منفعته على حساب الشعوب الضعيفة، وما يزيد الأمر صعوبة وتعقيد عندما يسيطر الغرب على المؤسسات الدولية ويستخدمها كأداة لتقنين وشرعنة شذوذه وتطرفه وإرهابه القيمي:

ــ فتراه يشارك ويدعم ويساند النظم الإستبداية في العالم الثالث ضد إرادة الشعوب ومصالحها في حين يتغنى ويلتزم هو بالديموقراطية واحترام إرادة الشعب في أمريكا والغرب.

ــ يؤمن الأمن والاستقرار للشعب الأمريكي، وينشر المؤامرات والاضطرابات والفوضى في

عشرات الدول في نفس الوقت.

ــ يسعى للنهوض باقتصاده وعلومه ومعارفه وكل مجالات حياته وفي نفس الوقت يشترط قوته وسيطرته وسيادته بالعمل على إضعاف الآخرين وخاصة عالمنا العربي والإسلامي وقطع الطريق على نموهم ونهوضهم، وتمثل المؤسسة الدولية خاصة صندوق النقد الدولي أذرعه الأساسية لتحقيق هذا المبدأ.

ــ وتراه بمنظومته القيمية الإرهابية يتدخل في شؤون الدول ويدعم الانقلابات العسكرية في تركيا ومصر وأفريقيا، ويحتل أراضي العراق، ويدعم ويشرف على تدمير سوريا واليمن وليبيا ولبنان والسودان، ويسرق ثرواتها وعندما تقاومه الشعوب يتهمها بالإرهاب ويعاقبها دوليًا على مقاومتها المشروعة له.

ــ ثم تراه باسم منظومته القيمية الإرهابية يدمر مدنًا بكاملها ويقتل ويهجر ملايين البشر بغرض الحصول على بعض المكاسب السياسية والمادية.

يظن البعض أن هذا تناقض وازدواجية في خطاب أمريكا والغرب، وما درى أن ذلك تماهيا وممارسة تطبيقية منظمة للنظام القيمي الإرهابي الغربي، وعقيدته القيمية المدمرة التي تقرر وتشرعن ذلك وتجعل الجندي الأمريكي يستعمر أراضي أجنبية ويغتصب ويقتل أهلها ويسرق ذهبها وأموالها وهو مبتسم وسعيد بأنه يؤدي واجب ديني ووطني سيكافئ عليه في وطنه وعند الرب!!

وهذا ما سيتضح لنا بعد كشف أسبار وأسرار منظومة القيم الإرهابية الغربية، ومنطلقاتها الفلسفية ومبادئها الحاكمة والمنظمة لها والتي تعد المصدر الأساسي لواضعي الخطط الإستراتيجية والسياسات الأمريكية والغربية.

( الجندي الأمريكي يستعمر أراضي أجنبية ويغتصب ويقتل أهلها ويسرق ذهبها وأموالها وهو مبتسم وسعيد بأنه يؤدي واجب ديني ووطني سيكافئ عليه في وطنه وعند الرب!!)

الجذور والمنطلقات الفلسفية لمنظومة القيم الإرهابية الغربية 

مر تطور الفكر القيمي في الغرب بمرحلتين:

المرحلة الأولى: ما قبل نيتشه، حيث كان ينظر إلى القيم على أنها الشيء الثمين النافع لغيره، الذي يحقق مصلحة ما للفرد، أو كونها جميلة وقيمة في ذاتها

ولذلك كانت أنواع وخصائص القيم على هذا النحو:

1ــ تكون القيم ذاتية حين يكون مردها إلى الأفراد؛ فالطعام واللحن الموسيقي قد يكون لهما قيمة عند فرد، ولا يكون لهما قيمة لدى فرد آخر، وقد يثيران اشمئزازًا وكراهية عند فرد ثالث، ومن هنا كان الاختلاف.

2ــ القيم نسبية باختلاف الأفراد والزمان والمكان والظروف والأحوال، وتكون نسبيتها وانتفاء مطلقتها. وفي هذا يقول سبينوزا :Spinoza نحن لا نرغب في شيء لأنه قيّم، بل إنه قيم لأننا نرغب فيه ونريده ــ فالقيم ذاتية نسبية، لأن القيمة تكون بالقياس إلى تفكير الإنسان أو رغباته أو شعوره. وهذا يفضي إلى عدم وجود حق بالذات أو خير بالذات أو جمال بالذات.

3ــ القيم المطلقة فهي تتضمن قيمتها في باطنها، وهي مستقلة عن مصالح الإنسان وأهوائه ورغباته، وهي ضرورية ودائمة، وواضحة بذاتها، وهي عامة مطلقة تتخطى الزمان والمكان ولا تتبدل بتبدل الظروف والأحوال، فهي كيان مثالي ثابت مستقل عن الأفكار والرغبات.

4 ــ القيم ذاتية وموضوعية عند برتراند رسل Russell في آن معاً، فالقيم ذاتية من حيث هي صادرة عن الذات، وموضوعية من حيث إنها ملتقى الناس جميعاً.

وكان من أهم فلاسفة هذه المرحلة ما بين (1883-1951) إرنست لوسين وماكس شيلر ولافيل ــ Louis Lavelle ديكارت وكانت.

المرحلة الثانية: ما بعد نيتشه 1844م ــ 1900 م والذي أحدث انقلابًا وتحولاً جذريًا في الفكر الفلسفي للقيم، وبدأت مرحلة التحول من القيم بالمنفعة إلى القيم بالقوة والقدرة التي يفرضها القوى السيد بقوته وسيطرته على الضعيف العبد، ولذلك يعد فهم نيتشه مفتاحًا لفهم القيم الغربية والنظام العالمي الجديد برمته.

حيث يعد نيتشه المبرمج الحقيقي للنظام القيمي الجاري الآن عالميًا في أمريكا وأوروبا والذي استطاع أن ينتقل بالعقل الفلسفي الغربي من البحث عن الحقيقة والوجود إلى البحث في الإنسان والقيم، وإعادة برمجة القيم التي التزم بها الإنسان لقرون طويلة، وطرح فكرة حتمية الخروج على كل دين وقديم وثابت ومسلم.

لماذا التركيز على نيتشه؟ ليس لجودة ما جاء به، حيث أعده من أسوأ خلق الله الذين مروا على التاريخ البشري بتمرده على المنهج الإلهي وما أنتجه من أفكار تدين بها الأمة الأمريكية والغربية ويعيش بها قطاع كبير من العالم الآن بفعل القوة الأمريكية والغربية، وإنما لأنه الأقوى تطبيقًا وتأثيرًا منذ مطلع القرن 20 وحتى الآن.

وهنا سأُلخص المرتكزات الخمس عشر للنظام القيمي الإرهابي الغربي:

وللإيضاح والبيان كما يعتقد المسلم بالله تعالى الواحد وبالنبي الخاتم محمد صلى الله علي وسلم وكما يعتقد كل طفل في العالم بأن الشمس تشرق من المشرق وتغرب من المغرب فإن المواطن الأمريكي والغربي يعتقد بهذه المبادئ الإجرامية التي تمثل ذروة الإرهاب العالمي ويغلفها بغلاف مزيف وكاذب بمنظومة القيم الغربية، متاجرًا بالدعارة مدعي تعليم العالم الشرف والفضيلة.

1ــ رفض فكرة الإله والأديان بشدة من أساسها وإعلان فكرة موت الآلهة، بل ونهاية الإيمان في المجتمع الحديث والاعتقاد بأن الإنسان هو صانع قدره بلا شريك ــ لاحظ أنه يتم استدعاء الدين في بعض الأحيان

لتحقيق أدوار وظيفية مؤقتة فقط مع معتنقي الأديان، كما نلاحظ أيضًا التناقض التام للسياسات الجارية مع بديهيات الأديان السماوية الثلاث بالكلية.

2 ــ مبدأ الإنسان القوى السوبرمان الخالد مالك القدرة والقوة وصانع القيم، بديلاً عن الإله المسيطر على الكون المدبر والمدير له ومصدر قيمه، فالإنسان الفرد مركز الكون وأساس المجتمع الحديث بديلاً عن الأسرة نواة المجتمع ــ لاحظ أن فكرة الشذوذ والتمرد على الفطرة والجلندر ما هى إلا أحد ثمرات هذه الفكرة الشيطانية اللعينة، لاحظ أيضًا الفكر النسوي الداعي لتمرد المرأة على فطرتها ورسالتها كأم ومربية والخروج من المنزل والتمرد على الوقار الذي أمر به خالق الكون، وقوانين تعقيد الزواج المفروضة على الدول والشعوب الإسلامية ما هى إلا عصير مر من ثمرات خبيثة لهذه الفكرة.

3 ــ الإرادة وغريزة السيطرة والقوة هى أصل ومصدر القيم وليس الخير والشر أو النفع والضرر.

4 ــ القيم فردية ونسبية ولا معيار لها، وقوة القيمة مقرونة بالقوة المادية وقدرة القوى على فرضها على الضعفاء الآخرين، والضعيف لا قيمة له.

5ــ الهدم والتحرر من قيود النظام الأخلاقي القديم لأوروبا ــ الديني وغير الديني، منذ المسيح والتي أقرتها المسيحية والفلاسفة من لدن أفلاطون إلى سقراط لأنها أخلاق العبيد والقطيع، ودائمًا هى مبرر للفشل والضعف.

6 ــ المجتمع العالمي القوي الفاضل متحرر وخالي من قوانين ومبادئ الضعف والضعفاء والمتمثلة في دعاوي الرحمة والشفقة والتكافل، فلا احترام ولا رحمة للضعفاء والمرضى وذوي العاهات فما هم إلا عبيد وخدم للسادة الأقوياء، وإذا ما انتهت وظيفتهم فالتخلص من عبء وجودهم واجب لا محالة. لاحظ تقديم وتفضيل حب الذات على الاهتمام بالآخرين وتطبيقاته في السياسة الأمريكية المقدسة

والتي تكررت علنًا على لسان كيسنجرــ ليست مهمة أمريكا حل مشاكل العالم بل إشعال وتغذية الصراعات والحرائق وإدارتها وتحقيق أعلى استفادة منها.

7 ــ الإعتزاز بالذات القوية التي يجب أن تملك وتسود وترفض أي تواضع مهين، وتستمر وتبقى مسيطرة إلى نهاية العالم.

8 ــ تمجيد وإعلاء العسكرية مظهر القوة وأداة القوة والسيطرة

ــ لاحظ حرص الإدارة الأمريكية قائدة العالم الآن وسياستها في تدجين جيوش دول العالم الثالث عبر مسارات التدريب والتسليح وشراء القادة العسكريين وتجنيدهم، وتغيير ودمج عقيدتها العسكرية الوطنية في العقيدة العسكرية الأمريكية لضمان السيطرة على شعوب ومقدرات هذه الدول.

9 ــ تجاهل وتجاوز القيم والمبادئ والقوانين والاتفاقيات والعهود والمواثيق والتقاليد البالية الضعيفة.

لاحظ المقولات الخالدة لهنري كسنجر مهندس السياسة الأمريكية حول سخريته مما يسمى بالقيم والأخلاق السياسية، ومن نظرياته السياسية التي تدرس في البرجماتية للتلاعب بعقول الشعوب

10 ــ براجماتية الروح والفكر والعمل والغاية والمنفعة هى جوهر القيم.

11 ــ الغريزة هى العلة الأولى والأخيرة في تفسير السلوك الإنساني، ولا مجال لعقيدة أو ضمير أو وراثة.

12 ــ تراتبية القيم والمجتمع على أساس القوة، فسادة المجتمع أصحاب قيم القوة هم الأقوياء وعبيد المجتمع هم ضعفاؤه أصحاب قيم الضعف.

13 ــ الحياة المثلى هي التي يعيش فيها الإنسان على حافة بركان، وفي خطر دائم يدعوه إلى اليقظة.

والحذر الشديد، والاستنفار الأمثل لكل ما لديه من مواهب وملكات مدفونة، وهذا المبدأ هو منطلق

السياسات الأمريكية الخاصة باليقظة الدائمة وملاحقة أي أسباب للتحرر واليقظة وامتلاك القوة

لدى شعوب ودول الأطراف لسرقتها وتقويضها مبكرًا ليظلوا ضعفاء عبيد لهم.

كما يعتبرون أي نمو وتقدم خارج السيطرة الأمريكية تهديدًا للأمن القومي الأمريكي.

ولاحظ أن هذا المبدأ هو أصل سياسات بوش الأب من ليس معنا فهو ضدنا ومن ضدنا فهو إرهابي يجب سحقه سريعًا.

14 ــ لا اعتراف ولا قبول بفكرة الاشتراكية والديموقراطية حيث يغلب عليها الإنسان الأقوى المسيطر ليس لأنها لإكثار تنافسية فحسب ولكنها مفتاح للشعوب لامتلاك قوتها الذاتية والتمرد والخروج عن القيادة الأمريكية للعالم، والمقرر لها أن تستمر في خططهم إلى نهاية العالم.
15ــ تجاوز المنطق والبديهي، وإلغاء معايير قياس وتقويم القيم، تمهيدًا لتفكيك القيم ذاتها.
فلا توجد أخلاق مطلقة، وإن الحكم الأخلاقي يعتبرونه وهم وأنه لا توجد حقائق أخلاقية ثابتة، كما أنه لا توجد ظواهر أو وقائع أخلاقية، ولكن يوجد فقط تفسير أخلاقي لتلك الظواهر.
الخطورة الإستراتيجية هنا هي نسف أية معايير ونظم معيارية لتنظيم وضبط وقياس سلوك وفعل الإنسان وإطلاق المجال للقوة فقط، بمعنى تحول البشر إلى قانون الغابة.

وفلسفة ذلك إن المطالبة بأخلاق واحدة للجميع يعني الإضرار بالإنسان الأعلى تحديدًا، وأن ثمة تراتبية بين إنسان وإنسان وبالتالي بين أخلاق الأسياد فيما بينهم، وأخلاقهم الخاصة مع العبيد، وأخلاق العبيد فيما بينهم ومع أسيادهم

هذه المبادئ تمثل التبشير والإعداد والتأهيل لإنسان وعالم وقرون جديدة تحديدًا القرن 19 و20 و21 وتجاوز ما سماه العصر المريض، القرن 17، 18، أي المريض بثوابت وموروثات الماضي والأديان …إلخ

واستدعاء لإيجابية القارئ كنخبة ثقافية مسئولة عن عقول وحاضر ومستقبل شعوبنا وأمتنا العربية والإسلامية والإنسانية عامة أترك لكل قارئ أن يسجل لنفسه رؤيته التحليلية لنظام القيم الغربية ومدى جودتها حضاريًا في ظل معايير ست قمت بتصميمها وفق المقاصد العليا لهندسة المجتمع الإنساني في القرآن الكريم آخر الكتب السماوية ومنحة وهدية رب العالمين للبشرية إلى قيام الساعة على قلب خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.

رؤية تحليلية لنظام القيم الغربية ومدى جودته حضاريًا

البناء والتطور الحضاري المعني بتعظيم القيمة المضافة للإنسان، وتعزيز قدرته وممكناته للوفاء برسالته الحضارية لعمارة الكون ماديًا وروحيًا، ولضمان التحسين المستمر لحياة كافة المخلوقات على الكوكب.

هذا البناء الحضاري هو البوصلة، والمعيار الذي يوجه وينظم عمل النظم القيمية المختلفة التي يمكن أن تنتجها الثقافات الإنسانية المختلفة، والتي يعد نسقها المرجعي إلى الرسالات السماوية وخلاصة الفكر البشري، والذي تم صياغته واعتماده في الأمم المتحدة.

في هذا السياق قمنا في هويتي بتصميم هذا النموذج المعياري لقياس مدى وفاء النظم القيمية المختلفة بالاعتبارات الإنسانية والكونية التي قررتها رسل وكتب الله التي نؤمن بها وتوافق عليها النصوص الدولية للأمم المتحدة والمجلس العالمي لحقوق الإنسان

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى