مجلس الأمن والحرب على غزة قراءة في ضوء التجربة العراقية.
د. شيروان الشميراني
صدر القرار رقم 2735 في 10-6-2024 من مجلس الأمن الدولي في مخاطبة حماس وإسرائيل والقاضي بوقف الحرب على غزة، القرار كما هو واضح مقدم من الولايات المتحدة الأمريكية كقالب دولي للمباديء التي أعلن الرئيس جو بايدن عنها في 31-5-2024، وكانت دول طالبت بتحويل خطاب بايدن الى قرار ملزم من مجلس الأمن.
الحرب الحالية على غزة جديدة مضت عليها ثمانية أشهر وبضعة أيام، لكن التمعن في السياسة الدولية وبالأخص سلوك واشنطن تجاه القضايا الدولية لم تتغير، مهما تغيرت العناوين التي تحتها تتحرك، وربما العودة الى الوضع العراقي منذ 2003 تساعد على فهم ما يجري الان في مسار العمل على وقف الحرب على غزة وتوضح شيئاً من المستقبل الذي تريده واشنطن في فلسطين تحت مسمى اليوم التالي للحرب.
أولاً: إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن بحاجة الى قرار من مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار في غزة، فلديها من الوسائل والطرق التي تجبر بها الكيان الإسرائيلي على وقف الحرب فوراً من دون الحاجة الى العودة لمجلس الأمن، كما فعل مع العراق والحرب عليه سنة 2003، مسجل في صفحات التاريخ بأن الاجتماع الذي كان مخصصا للحرب على العراق في 14-2-2003 لم ينجح في تمرير قرار دولي لتسويغ الحرب، وكانت فرنسا واقفة في شخص وزير خارجيتها “دومنيك دوفيلبان” عبر كلمة مدوية ضد القرار، لكن واشنطن مضت دون الاكتراث بالموقف الدولي في حينه، وهي قادرة على فعل الشيء ذاته اليوم، لكنها لا تفعل، وتمول آلة الحرب القاتلة التي ترتكب الإبادة الجماعية بدل تجفيفها. لو كان الاهتمام موجوداً بالمؤسسات الدولية كما تصور من خلال اللجوء إلى مجلس الأمن لما كان مجلس النواب الأمريكي يتحرك لفرض عقوبات على محكمة الجنايات الدولية لإتخاذها موقفاً متشدداً تجاه العدوان الإسرائيلي ومسانداً للسلام في فلسطين وغزة، وتهديد أعضاء وموظفي المحكمة، يبدو أن الغاية المرسومة من وراء التحرك الأمريكي ليس وقف الحرب وإنما جعل الترتيبات الإسرائيلية داخل شرعية دولية لتمريرها بما أن الغاية واحدة لدى كلتيهما، ثم رسالة الى الشارع الأمريكي الذي تململه اتخذ نطاقاً عملياً ظهر خلال مواقف تخوف بايدن المتجه صوب الإنتخابات الرئاسية، لأنه وعد بفعل شيء إيجابي تجاه الحرب الحارقة لقيمة الانسان في غزة. كما أنها تريد رفع الملامة الدولية عنها لموقفها المهادن وغير المحايد في الوساطة بين الطرفين.
وما هو لافت للنظر هنا، هو إصرار المتحدثين الأمريكيين على أن إسرائيل قبلت القرار وننتظر موقف حماس كمال قال “روبرت وود” وذلك بغية سحب الالة الإعلامية الدولية المنحازة بالأساس وجعلها أداة للهجوم عليها كأنها هي التي لا تريد للمعاناة التوقف، في حين أن العكس هو الصحيح، وان حماس قبلت و تريد الوقف الكامل النهائي وليس وقفاً مؤقتاً تكتيكياً، وتعاملت تعاملاً إيجابياً بمسؤولية تجاه القضية وتجاه الشعب ومصداقية مع الوسطاء، في حين لم تقبل بل رفضت الحكومة الإسرائيلية عملياً القرار وخطاب بايدن من دون التصريح بقبولهما، وقد تريد واشنطن من هذا السلوك الأعلامي إعطاء المزيد من الوقت لنتنياهو مع تليين الموقف الدولي المناهض للحرب، عسى أن يحقق ما لم يقدر على تحقيقه لغاية الآن، وإزالة السحب السوداء الغائمة في سماء سمعة أمريكا الدولية.
ثانياً: هناك حديث دائم وغامض يجري بين الأمريكيين والإسرائيليين والعرب عن اليوم التالي للحرب، أي ما الذي يكون عليه الوضع في غزة، ليس من أبواب الإعمار والحالة الإنسانية، وإنما من باب الإدارة، من الذي يدير غزة بعد وقف الحرب؟
إن العودة الى الوضع العراقي بعد إسقاط النظام الحاكم في 2003 تخفف لنا بعض هذه الغموض، وذلك بالنظر الى الغاية الأمريكية في غزة والمنطقة، فالأمريكيون والإسرائيليون لا يريدون رؤية حماس في قيادة الإدارة في غزة مرة أخرى، أما إفنائها وإسكاتها الى الابد، وإذا تعذر فإبعادها إلى الأبد، وهذا هو المقصود باليوم التالي للحرب، خلال حديث لمسؤولين أمريكيين في الفترة القريبة الماضية كأنها فلتة لسان ورد ما بفيد بتعيين مستشارين أمريكيين في إدارة غزة بعد الحرب، وهذه هي الصورة التي كان عليها العراق بعد الحرب مباشرة عند مجيء بول بريمر الحاكم الأمريكي المطلق وعقب ذهابه، تشكيل حكومة عراقية إنتقالية بقيادة أياد علاوي وبعدها طالت الفترة بوجود مستشارين أمريكيين في كل وزارة، ووجود مستشارين يعني وجود قوات حماية أمريكية خاصة مثل ” بلاك ووتر”، ثم الشروع بتدريب وتشكيل قوات محلية من الشرطة والدفاع المدني، يبدو للمراقب أن في نية الولايات المتحدة تجاه غزة وحماس هو هذا السيناريو، أي ركوب السلطة الموجودة في الضفة الغربية الدبابة أو بحمايتها، ثم تشكيل حكومة مؤقتة مع هيئة استشارية أمريكية بما أن السلطة هشة من أساسها وضعيفة وليست موضع الثقة، ثم تكوين قوات محلية فلسطينية برعاية إسرائيلية أمريكية، وقد تطلب واشنطن قوات من دول إسلامية أو عربية للتواجد في غزة من أجل حفظ الأمن داخل القطاع.
الأمارات تشير إلى أن واشنطن تريد ذلك، وهو ذات ما تبحث عنه نتنياهو، ربما الخلاف الوحيد هو إفناء حماس والقضاء عليها كما تريد إسرائيل، أو إضعافها الى حدّ العجز عن الحركة وتحويلها إلى كيان هزيل مشلول مع رأس عاجز عن التحكم كما تريد أمريكا، وتسليمها لرحمة السلطة الموجودة الآن في رام الله، لكن الغايات البعيدة والأساسية هي هذه في نهاية المطاف.
هذا هو اليوم التالي للحرب التي تريد واشنطن إبعاده عن المفاوضات الجارية مع حماس، لأنها ترى حماس عنصراً من العناصر التي تخرب على واشنطن خططها في الشرق الأوسط والتي تحتل إسرائيل موقع المركز فيها.
في ضوء ذلك يمكننا فهم السلوك السياسي الأمريكي الراهن على مسار مفاوضات وقف الحرب، وتحديد مدى جديتها وما إذا كانت تريد بقرار مجلس الأمن 2735 وقف الحرب أم لا؟