محنة في ثناياها المنح
بسم الله الرحمن الرحيم
الفاجعة كبيرة والمصيبة -لا شك- عظيمة، ولكن سيبقى صبر المؤمن، وثقته بالله أكبر وأعظم، ومما يزيد هذا الصبر وينميه إدراكنا لمجموعة من الحقائق:
الأولى: لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، وأن الموت حق على العباد، وتصديقا لقوله تعالى: (إِنَّكَ مَیِّتࣱ وَإِنَّهُم مَّیِّتُونَ).
الثانية: إن الصبر على المصيبة له أجر لا يعدله شيء، (إِنَّمَا يُوَفَّي اَ۬لصَّٰبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٖۖ)، ولذلك جعلها رب العالمين بشارة، فقال تعالى:( وَبَشِّرِ اِ۬لصَّٰبِرِينَ، اَ۬لذِينَ إِذَا أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٞ قَالُواْ إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَٰجِعُونَۖ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لْمُهْتَدُونَۖ)
الثالثة: في الحديث الصحيح عن رسول الله r أن: (القتيل في سبيلِ اللهِ شهيدٌ، والمبطُونُ شهيدٌ، والمطعونُ شهيدٌ، والغريقُ شهيدٌ، والنُّفساءُ شهيدةٌ). والذين قضوا في هذه الفاجعة اجتمع عليه الغرق والهدم.
الرابعة: عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله r قال: (مَثلُ المؤمنينَ في تَوادِّهم، وتَعاطُفِهم، وتَراحُمِهم، مَثلُ الجَسدِ، إذا اشتَكى منه عُضوٌ تَداعى سائرُ الجَسدِ بالسَّهرِ والحُمّى)، وهذه الصورة قد ظهرت واضحة في التعاطف والتعاون والتآزر بين مجموع أبناء هذا الوطن بل وصل الأمر إلى كل أبناء الأمة الإسلامية.
الخامسة: لا يمكن أن نغفل التعاطف الإنساني الذي دفع عددا من الدول غير المسلمة إلى إرسال معوناتها وفرق الإغاثة لديها للمشاركة في عمليات الإنقاذ، وهذا البعد الإنساني يدعونا إلى حسن التعامل مع كل من يريد الخير في العالم كله.
الخامسة: تحقيق الإيمان بالقضاء والقدر والرضا بما قسمه الله أو قدره، وهذا من كمال الإيمان، وهذا من نتائجه طمأنينة القلب وراحة البال، وهداية القلب وانشراح الصدر، والقدرة على مواجهة الصعاب.
هذه حقائق لا بد أن نعيها في هذه المصيبة، فنرى لطف الله، ورحمته وعفوه وحكمته، ولكن هذا لا يعني إهمال أخذ الدروس والعبر، فالذين قضوا في هذه المصيبة قد أفضوا إلى رب رحيم كريم، ﴿وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَیۡرࣱ وَأَبۡقَىٰ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ یَتَوَكَّلُونَ)، ولكن العظة والعبرة يستفيد منها الحي، ويعمل على تفادي ما كان من خطأ، سواء على مستوى الفرد أو المجموع، فلا بد أن ندرس ونحقق في أسباب هذه الكارثة، ونعالج تلك الأسباب بما يناسبها، وإلا ستكون المصيبة مضاعفة، والذنب أعظم، ولا نلوم إلا أنفسنا.
من الضروري أن ندرك أن تفرقنا وتنازعنا سبب لما وقعت فيه البلاد من سوء إدارة، وانتشار الفساد بأنواعه المختلفة، وما نتج عنها من بنية تحتية متهالكة، وسوء صيانة ومتابعة، وضعف في التنمية والبناء، وعدم استعداد لمواجهة المحن والكوارث الطبيعية، التي لا يمكن لأحد أن يمنع وقوعها، ولكن يملك التخفيف من أضرارها.
إن التعاطف والتآزر والتعاون الذي أظهره شعبنا من غربه إلى شرقه ومن شماله إلى جنوبه، وحملات الإغاثة التي تدفقت على المنطقة المصابة لابد أن يستثمر في توحيد الوطن، وإنهاء الانقسام، وهذا يدعونا إلى أن نجلس، ونتحاور ونعمل على إعادة اللحمة، وعلاج المشاكل بيننا، وإرجاع الحقوق، وترضية النفوس، والنظر إلى المستقبل بعين يملؤها التفاؤل، وقلب يحيا بالأمل، وأيد تبني وتحقق التقدم والرخاء.
على كل فرد منا أن يعيد النظر في علاقاته الثلاث: مع الله تعالى فيلتزم بأمره، وينتهي عند نهيه، ويرضى بقضائه، ويدعو إلى كتابه وسنة نبيه ﷺ . ومع نفسه فيقوم اعوجاجها ويحملها على إرضاء خالقها ويزكيها، ومع الخلق فيحسن إليهم، ويتجاوز عن مسيئهم، وينصح لهم، ويعمل بجد على ما فيه خير البلاد والعباد.
نحن أشد ما نكون في حاجة إلى الخروج من هذه المصيبة بأجمل الدروس والعبر، وأعظم الفوائد، فإذا جمع الله شملنا وقت المصيبة؛ فلا أقل من أن نستمر في العمل سويا حتى نخرج بالبلاد إلى بر الأمان ولا نسمح لأحد في الداخل أو الخارج أن يشتت شملنا من جديد ويزرع الفرقة والنزاع فيما بيننا، ولنتوجه إلى المولى العلي القدير أن يتقبل موتانا في الشهداء ويعافي جرحانا ويكتب لهم الشفاء وأن ينزل علينا صبرا واحتسابا، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، إنه على كل شيء قدير.