مفهومنا لكاريزما الآباء والأمهات
أ. مصباح الورفلي
من خلال مسارنا الأُسري مرورا بطفولتنا وفتوّتنا إلى مرحلة الرجولة والاستقلال ببيت أُسري -فرع الأسرة الكبيرة- يغلب على تدابير تسييره النمطية المتوارثة من الآباء على اختلاف الأجيال، لكن هناك أعرافًا ما زالت تشكّل وتنظّم العلاقة الأُسرية تنظيمًا اصطبغ بها كثير منّا وأضحت ثوابت ومسلّمات لا ينبغي الخروج عنها، ولا حتى إعادة النظر فيها وتغييرها، وفق الواقع المجتمعي المستجد بأنماط وسلوكيات أفراده. ومن أبرز هذه النُّظم صرامة الآباء والأمهات الشديدة التي لا يعلو صوت فوقها ولا همزا وركزا، ويضعها الكثيرون من الصفات الكاريزمية المفترض توفرها لدى الآباء والأمهات..
كاريزما الآباء والأمهات كثيرا ما يُساء فهمها أو كيفية توظيفها توظيفا إيجابيًا، ولا تعني الكاريزما الشدة وعدم قبول واستيعاب أفراد الأسرة أو حتى عدم الاستماع لوجهات نظرهم ومشاركتهم وإشراكهم في قضايا الأسرة المهمة والإستراتيجية.
الكاريزما: كما يعرّفها البعض لها علاقة وطيدة بحب، الشخص الذي يتمتع بالكاريزما ولديه قدرة عالية على إظهار مشاعره وبخاصة حبّه للآخرين لما يتمتع به من ثقة عالية بالنفس تجعل منه محط قبول وجذب واقتداء لا سيما من أبنائه الذين يستظلون تحت مظلته فخورين به.
نعم من صفات كاريزما الآباء والأمهات الشدة، ولكنها الشدة الناعمة المحفوفة بالحنان واللين ما إن تقع على الابن أو البنت يُلامس رقّتها ويشعر بدفء حنانها، وسرعان ما تتبدل الشدة الناعمة إلى عطف تتلاشى معه مظاهر اللوم والعتاب والعقاب، ويُقر المخطئ بخطئه ويتعهّد بعدم تكراره.
هناك أمر ينبغي أن ندركه واقعا؛ ألا وهو تغيّر أنماط وسلوك الأجيال، نحن الآباء أبناء الأمس تختلف أنماطنا وسلوكياتنا عن أبناء اليوم، أساليب التعامل مع الأبناء يجب أن يراعى فيها متغيرات واقعهم وتفكيرهم وهذا يحتاج إلى قراءة جيدة من الآباء لواقعهم لاستيعابهم، ليتمكّن من تسيير العملية التربوية بالشكل الصحيح.
عقاب الأمس ليس كعقاب اليوم، الكل يعلم ذلك، ومرّ بهذه التجربة ومازالت كثير من المواقف ماثلة أمامه وحاضرة في ذاكرته وبعضها أثّرت بشكل ما في نفسيته، وصارت عاملاً في تشكّل شخصيته.
اليوم مثلاً وبعد أن أصبحنا آباء عند تقييمنا لسلوكياتنا السابقة وطرق علاجها من آبائنا وأمهاتنا دائما ما نستحضر معها واقعنا ومحيطنا المجتمعي بأعرافه، التي بدونها لا نستطيع تقييم تلك الأساليب ولا تقبّل مبرراتها وإن قيّمناها بموازين اليوم لوصلنا إلى نتائج مغايرة وبعضها مليء بالمثالب بعقلية اليوم. نستهجنها ولا نقبل بها، ولكن لكل واقع حيثياته لا تستطيع عقولنا اليوم تقديرها كتقدير آبائنا لها آنذاك.
تصورات خاطئة…نحن أبناء اليوم بمتغيراته
ومفهومنا لكاريزما الآباء والأمهات لا تعني صوابية مطلقة، فهم ليسوا ملائكة لا يخطئون، هذا هو الخطأ بعينه، والأكبر من ذلك اعتقادهم بأن اعترافهم بالخطأ في أي موقف ما تهتز صورتهم أمام أبنائهم، وإذا اهتزت لن تعود وسيستمرئ الأبناء ويستقوون عليهم ويتمردون؛ فتضيع هيبتهم ويفقدون السيطرة على تربيتهم.
الآباء والأمهات الذين يريدون أن يكبروا في أعين أبنائهم يجب أن يتداركوا أخطاءهم ويعترفوا بها؛ لتكون درسًا وليمثلّوا القدوة الحسنة، وهنا يكمن فن توظيف الأخطاء ومعالجتها في تربية الأبناء، ولا يكون الإقرار بالخطأ إلاّ في جو يتسم بالهدوء ويكتنفه الإصغاء الجيد، في مصارحة صادقة، ينتهي باتخاذ قرار تربوي صائب يقتنع به الجميع مع الأخذ بالتوصيات الأبوية التي ستترسّخ بقوة في نفوسهم بعد هذه المصارحة.
يجب أن يعلم الآباء والأمهات أن الإقرار بالخطأ يغرس في نفوس الأبناء الشجاعة، ويجنّبهم الكذب، ويُحمّلهم المسؤولية ويقدح في عقولهم أفكارا إيجابية لمعالجته، والاستفادة منه حرصًا على عدم تكراره.
الكاريزما التي تتصف بالسلطوية عند الأب أو الأم لا تعترف بالأخطاء؛ أو التي تفسح للأخ الأكبر التحكّم في الأصغر أو الأخت؛ نظرا لرسوخ القناعات القديمة السائدة في عقولنا عن تدبير الأسرة حتى تكلست وصلدت في العقول وصار من الصعب إزالتها، وكأنه الدستور الأسري المتوارث والمعمول به، هذا لن يبني بيتا ولا يؤسس بينيانه، لا على العكس تمامًا.
مفاهيم حقيقية تحتاج إلى ترسيخ…
الأسرة الناجحة التي تتمتع بكاريزما حقيقية هي الأسرة المتفاهمة تستوعب أفرادها تقسّم أدوارًا فيما بينهم دون محاباة أو تفضيل لأنه جور عظيم.
الأسرة الناجحة التي تتمتع بكاريزما حقيقية هي التي تتشاور فيما بينها تصنع حوارات يومية وأسبوعية داخل البيت وخارجه، في أجواء حميمية صادقة حول حاضرها ومستقبلها سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو التعليمي؛ لتصل إلى القرار السليم ويعود بالنفع عليها ويُحسّن نظام حياتها وزيادة ارتقائها والارتقاء بمجتمعاتنا.