مقدسات الأمة تدعو للنصرة في اليوم العالمي للتضامن مع فلسطين

الشيخ د. بن سالم باهشام
مقدمة
قال تعالى في سورة الإسراء: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا)[1].
تعتبر القضية الفلسطينية جزءًا من مقدسات الأمة الإسلامية، وذلك لارتباطها الوثيق بالأرض المباركة، والمسجد الأقصى، الذي يُعد من أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وله مكانة دينية وتاريخية عظيمة في الإسلام. القضية الفلسطينية ليست فقط صراعاً سياسياً على الأرض، بل هي في جوهرها صراع ديني وعقائدي، مرتبط بحفظ المقدسات الإسلامية، والدعوة لإقامة حكم إسلامي في فلسطين، ما يجعلها قضية مركزية لكل المسلمين في العالم كله، ومصيرية لأمة الإسلام جمعاء، لهذا فإن أول من ينبغي الحديث عن هذه القضية والتعبئة لها، هم العلماء في دروسهم ومواعظهم، ومحاضراتهم وندواتهم، والخطباء على منابرهم يوم الجمعة، لتوعية الشعب بهذه الحقيقة. لأن القضية الفلسطينية جزء من مقدسات الأمة.
نعم، يُعدّ اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني (29 نوفمبر)، مناسبة محورية للعلماء والخطباء، لمعالجة القضية الفلسطينية بكل ما يتوفرون عليه من وسائل، وما يتاح لهم من فرص يتواصلون فيها مع شعوبهم، إذ يُعتبر جزءًا أصيلاً من مقدسات الأمة الإسلامية.
المحور الأول: أصل اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم في قرار 32/40 بتاريخ 2 ديسمبر 1977، للاحتفال سنويًا بمناسبة قرار التقسيم رقم 181 في 29 نوفمبر 1947، الذي سعى إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، مع الاحتفاء بانضمام فلسطين كدولة مراقب غير عضو في 2012[2]، يُحيي هذا اليوم فعاليات عالمية لتذكير المجتمع الدولي بحقوق الفلسطينيين غير المحققة، خاصة في ظل الصراعات المستمرة[3].
منذ ذلك الوقت، يُحتفل بهذا اليوم سنويًا في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، ومكاتبها في جنيف وفيينا، حيث تُعقد اجتماعات وفعاليات ثقافية وسياسية ومسيرات تضامنية عالمية، تعكس الدعم الدولي للشعب الفلسطيني. كما تم اعتماد تنظيم معرض سنوي عن حقوق الفلسطينيين، بالتعاون مع بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة، اعتبارًا من قرار لجنة حقوق الفلسطينيين رقم 60/37 بتاريخ 1 ديسمبر 2005، لتعزيز هذا التضامن وتقديم الدعم الإعلامي والتوعوي للقضية.
ويُستخدم هذا اليوم، للفت انتباه المجتمع الدولي؛ إلى أن القضية الفلسطينية ما تزال قائمة ولم تُحل، وأن الشعب الفلسطيني، لم يحصل حتى الآن على حقوقه غير القابلة للتصرف، ويُعد منصة لإبراز الدعم الدولي لقضيتهم ونضالهم من أجل الحرية والعدالة[4].
المحور الثاني: دور العلماء والخطباء في تعبئة شعوبهم:
الواجب على العلماء، أن يدركوا مسؤوليتهم في توضيح أبعاد القضية الفلسطينية، والتنبيه إلى مخاطرها، والدفاع عنها قانونيًا وسياسيًا وأخلاقيًا من المنابر والمساجد، والمساهمة في النضال من أجل تحرير القدس، مما يجعل الخطباء في خطب الجمعة طليعة في حشد التضامن.
1 – أهمية في السياق الإسلامي:
القضية الفلسطينية، مقدسة للمسلمين بسبب المسجد الأقصى، وبُعدُها الإيماني، فالعلماء يُعيدون صياغة مسؤولياتهم الأخلاقية، في ظروف مثل أحداث غزة، محذّرين من التخاذل، ويُنصح بالتركيز على الدعوة للعدل والإحسان في هذه المناسبات لتعزيز الوعي الجماعي.
2 – كيف يمكن للعلماء تحفيز الدعم العملي للقضية الفلسطينية في دروسهم؟
يمكن للعلماء تحفيز الدعم العملي للقضية الفلسطينية في دروسهم، من خلال ربطها بالنصوص الشرعية، وتوضيح الوسائل الملموسة، مثل التبرعات والمشاركة في الفعاليات، وتعبئة الجماهير عبر المنابر للضغط السياسي والإعلامي[5].
أ – التوعية والإرشاد الشرعي:
يبدأ العلماء بتذكير الجمهور بمقدسات فلسطين كالأقصى، مستشهدين بآيات قرآنية، وأحاديث عن نصرة المستضعفين، ليحوّلوا الشعور العاطفي إلى التزام عملي، كالدعم المالي والمعنوي[6]. ويُشدّدون على دور خطب الجمعة في فضح الانتهاكات الإسرائيلية، محفّزين على الدعاء المُستَجاب، والصبر كما في غزة.
ب – التعبئة العملية والإعلامية:
1 – تنظيم حملات جمع تبرعات مباشرة للفلسطينيين عبر جمعيات موثوقة، مع ذكر أمثلة ناجحة من الانتفاضات[7].
2 – تشجيع استخدام وسائل التواصل، لنشر الحقائق، وتنظيم مظاهرات وفعاليات تضامنية، مع تضييف شهود عيان في الدروس[8].
3 – الدعوة للضغط على الحكومات عبر عرائض ومواقف رسمية، مع التركيز على الصعيد الشعبي والدولي[9].
المحور الثالث: البُعد الديني للقضية الفلسطينية:
1 – تعتبر الأرض المقدسة فلسطين، مهبط الأديان وأرض المحشر، وهي ذات قدسية عالية في الإسلام على وجه الخصوص، بسبب وجود المسجد الأقصى، وهو ما يضفي على القضية بُعدًا عقائديًا وروحيًا.
2 – الدفاع عن الأراضي المباركة، وعن مقدسات الأمة، هو فريضة شرعية، وهو ما أكدته العديد من الفتاوى التي تحث على الجهاد والدعم لدفع المعتدين مثل إسرائيل، التي توصف بأنها دولة احتلال غاصبة للأرض الإسلامية.
3 – يرى العلماء والمفكرون الإسلاميون، أن تحرير فلسطين، واستعادة السيادة الإسلامية عليها، هو مطلب لا ينفصل عن إقامة حكم الله، وأداء الواجب الديني، وهو جزء من الدعوة الشاملة لإقامة دولة إسلامية جامعة، تضم المسلمين حول حكم شرعي واحد.
المحور الرابع: القضية الفلسطينية في الفكر الإسلامي المعاصر:
1 – تعتبر القضية الفلسطينية قضية أم، وقضايا الأمة، لكونها تمثل مقدسات دينية يتوجب على المسلمين جميعاً الدفاع عنها، فهي ليست قضية فلسطينية فقط، بل عالمية إسلامية.
2 – صنفت كثير من الحركات الإسلامية، القضية الفلسطينية على أنها محور الصراع مع المشروع الصهيوني، حيث تُرى كمعركة دينية وأخلاقية، تتجاوز الأطر السياسية، لتشمل الهوية الإسلامية الجامعة.
3- أهمية فلسطين عند الإسلاميين الحركيين وأنصارها، تأتي من كونها “مهبط الأديان”، وموقع الملحمة الدينية، حيث تركز الخطابات الدينية، على تحرير المسجد الأقصى، والربط الروحي الذي يجمع المسلمين بهذه الأرض.
المحور الخامس: بعض ثوابت القضية من منظور إسلامي:
1 – الأرض الفلسطينية هي أرض إسلامية عربية تاريخيًا، واحتلالها هو احتلال غاصب، يجب رفضه وتحريره بكل الوسائل.
2 – العمل على دعم القضية الفلسطينية، وجهاد الاحتلال من الواجبات الدينية، كما أن الدعم للمقاومة، ورفض التطبيع مع المحتل، هو موقف شرعي ثابت.
3 – القضية الفلسطينية، ليست فقط استعادة أرض، بل هي إعادة الحقوق الإسلامية في العبادة والسيادة، ويجب أن يرتبط التحرير بإقامة الإسلام، وانتظام الأمة تحت حكمه.
الخاتمة
إن القضية الفلسطينية، هي قضية دينية مركزية في الإسلام، تشكل جزءًا من مقدسات الأمة التي يجب الحفاظ عليها، والدفاع عنها شرعًا، وسياسة، وثقافة، وفكرًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – [الإسراء: 4 – 7]
[2] – اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني | Unesco https://www.unesco.org/ar/days/international-day-solidarity-palestinian-people
[3] – 29 نوفمبر.. ماذا نعرف عن اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني؟ https://alroya.om/post/356071/29-%D9%86%D9%88%D9%81%D9%85%D8%A8%D8%B1-%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%86%D8%B9%D8%B1%D9%81-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D9%85%D9%86-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A
[4] – كل ما تريد معرفته عن اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني https://www.elwatannews.com/news/details/7709268
[5] – ماذا نفعل من أجل فلسطين ؟ – سواعد فلسطين https://sawaidpalestine.com/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%86%D9%81%D8%B9%D9%84-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AC%D9%84-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86-%D8%9F/
[6] – خطبة جمعة مؤثرة عن غزة 2025 تدعو لنصرة أهلها وتحث على الدعاء والدعم … https://ne.nl7za.com/469684/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9-%D8%AC%D9%85%D8%B9%D8%A9-%D8%B9%D9%86-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-%D9%85%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%A9-%D9%82%D9%88%D9%8A%D8%A9/
[7] – 60 فكرة ووسيلة لنصرة قضية فلسطين والمسجد الأقصى المبارك https://palscholars.org/60-%D9%81%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D9%88%D8%B3%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%86%D8%B5%D8%B1%D8%A9-%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AC%D8%AF/
[8] – ثلاثة شروط ساهمت في مناصرة القضية الفلسطينية عالمياً – موقع الخنادق https://alkhanadeq.com/post/6484/%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B7-%D8%B3%D8%A7%D9%87%D9%85%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%B5%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A7
[9] – دور العلماء في الدفاع عن القدس https://www.iumsonline.org/ar/ContentDetails.aspx?ID=8245




