من أسباب هلاك قوم فرعون وقومه .. كفران النعم

بقلم: د. علي محمد الصلابي
أعطى الله تعالى لفرعون وقومه كثيراً من نعم الدنيا وزينتها، فكان لهم الملك والسلطان، وكانوا في رغد من العيش بسبب ما منحهم الله من الأموال وأنشأ لهم من الجنات وأجرى لهم من الأنهار، ومع هذا فقد كانوا من أكفر خلق الله بالنعم، إذ كانوا منكرين لوجود الرب جل وعلا، معتقدين ربوبية فرعون عليه لعنة الله، فكفروا بذلك بأعظم النعم، نعمة الخلق والإيجاد، وكفرهم بتوابع ذلك من الإرزاق والتمكين وغيرهما من باب أولى.
وقد حاججهم موسى – عليه السلام – فأقام لهم البراهين على ربوبية الله الواحد الأحد، وذكّرهم بنعمه الظاهرة العامة كما في قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (٥٤)﴾ ]طه:٥٣-٥٤[.
وقد بيّن القرآن الكريم نظرة فرعون وقومه إلى النعم، وتلك النظرة مبيّنة على ثلاثة أمور:
الأول: الاعتقاد بأن النعم والخيرات إنما تأتيهم لاستحقاقهم لها وكونهم أهلاً لحصولها، قال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ﴾ ]الأعراف:١٣١[ وهي الغيث والخصب وسعة الرزق والسلامة: ﴿قَالُوا لَنَا هَذِهِ﴾؛ أي: نحن مستحقّوها على ما جرى لنا من العادة في سعة الرزق، ولم يعلموا أنها من الله، فيشكروه عليها (1).
الثاني: التفاخر والتّباهي بالنّعم، والاعتقاد بأنها دليل حُسن مذهبهم، قال تعالى: ﴿وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (٥٢)﴾]الزخرف:٥١-٥٢[.
الثالث:الاغترار بالنعم والظن أنها مانعتهم من العذاب، وذلك مُستنبط مما ورد في نصيحة الرجل الذي آمن منهم، قال تعالى حكاية عنه: ﴿يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا﴾ ]غافر:٢٩[.
قال ابن كثير: أي: قد أنعم الله عليكم بهذا المُلك والظهور في الأرض بالكلمة النافذة والجاه العريض، فارعوا هذه النعمة بشكر الله تعالى وتصديق رسوله، واحذروا نقمة الله إن كذّبتم رسوله (2).
وهم مع عدم قيامهم بحق هذه النعمة من الشكر، كانوا يعتقدون أنهم في مأمن ومِنعة من حلول العذاب؛ لما يرون لأنفسهم من القوة والسلطان على أهل الأرض، فحذّرهم الرجل من التمادي في التكذيب والاغترار بالملك والسلطان، ولمّا كان آل فرعون على هذا القدر من كفران النعم وجحودها والتفاخر بها والتّباهي، والاستعانة بها على الصدّ عن سبيل الله، لا جرم دعا عليهم موسى – عليه السلام -، فسأل ربه أن يطمس على أموالهم ويشدد على قلوبهم لعلهم يَرغَبون عن غيّهم، قال تعالى: ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾ ]يونس:٨٨[.
ولما جاء أمر الله بإهلاك آل فرعون خرجوا من تلك النعم خروجاً لا عودة بعده أبداً، فتركوا خلفهم الجنّات والأنهار والزروع والأموال والملك والسلطان، قال تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (٥٩)﴾]الشعراء:٥٧-٥٩[.
المصادر والمراجع:
(1) زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، (٣/١٦٨).
(2) تفسير ابن كثير، (٤/٨٥). وانظر: أسباب هلاك الأمم السالفة كما وردت في القرآن الكريم، سعيد سيلا،ص٣٨١.
(3) أسباب هلاك الأمم السالفة كما وردت في القرآن الكريم، سعيد سيلا، ص٣٨٢.
(4) موسى كليم الله، علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، 2022.




