من الأسباب المعنوية للتمكين “الأخذ بأسباب الوحدة والاتحاد والاجتماع”

بقلم: د. علي محمد الصلابي
إذا كانت الفرقة هي طريق الانحطاط والضعف، فإن الوحدة هي سبيل الارتقاء وتبوؤ المكانة الفاضلة من جديد. إن اتحاد الأمة الإسلامية على أسس ديننا العظيم أمل كل المسلمين الصادقين في كل مكان، ذلك أن الإسلام هو الذي جعل من العرب المتناحرين إخوة في دين الله “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” [الحجرات: 10]. كما أن الإسلام بعقيدته الصحيحة وعبادته الصادقة وأخلاقه الرفيعة، صهر الأمم والشعوب والحضارات التي دخلت فيه وجعل منهم أمة واحدة مترابطةً ترابط الجسد الواحد، لا فرق بين الفارسي ولا البربري، ولا الرومي ولا العربي إلا بالتقوى.
وأصبحت أمة الإسلام أمة واحدة في عقيدتها وتصوراتها ومنهجها، وانعكس ذلك في توادهم وتراحمهم فيما بينهم وأصبحوا كالجسد الواحد، الذي يخفق فيه قلب واحد، وتسري فيه روح واحدة، ويتأثر كل عضو فيه بما يصيب بقية الأعضاء،أو هو كالجدار المتين الذي تجتمع لبناته لتشكل فيما بينها وحدة واحدة متماسكة متراصة.
وإن من الأهمية بمكان أن تهتم الحركات الإسلامية في كل الأقطار بالأصول المهمة التي يجتمع عليها المسلمون في كل بلد، ومن ثم تجتمع عليها الأمة حتى يكون الاتحاد على أصول قوية ثابتة.
قال تعالى: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا” [آل عمران: 103].
إن طريق الوحدة والتعاون والتآخي والاجتماع على البر والتقوى هو طريق أهل السنة والجماعة الذين التزموا في جميع أمورهم بما كان عليه رسول الله ﷺ وأصحابه في العقائد والأخلاق والعبادة والمعاملات وكل شؤون الحياة. وأهم أسس وأصول أهل السنة والجماعة هي الاعتصام بالكتاب والسنة، وحصر التلقي لأحكام الدين؛ أصوله وفروعه في هذين المصدرين، وأن يرد الخلاف إليهما عند التنازع، وأن لا يعارضا بشيء من المعارضات، لا بمعقول ولا رأي ولا قياس، ولا ذوق ولا وجد ولا مكاشفة، ولا منام ولا غير ذلك.
إن الكتاب والسنة هما الميزان الذي توزن به الأقوال والأعمال والمعتقدات، وهما الحق الذي يجب اتباعه، وبه يحصل الفرقان بين الحق والباطل، وما سواه من كلام الناس يعرض عليه، فإن وافقه قبل، وإلا رد على صاحبه. (مجموعة الفتاوي، ابن تيمية، ج13 ص28 – 29)
إن أهل السنة والجماعة يحتجون بالقرآن والسنة، لا يفرقون بينهما، كما هو حال أهل البدع، فالسنة مبينة للقرآن موضحة له، ولا يمكن أن يستغنى عنهما بالقرآن وحده بحال من الأحوال، وهي حجة في العقائد كما أنها حجة في الأحكام.
فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الله يرضى لكم ثلاثاً، أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم». [أخرجه لإمام أحمد، 1/8 – 26].
إن طريق الاعتصام بحبل الله أن نلتزم بكتاب الله وسنة رسولهﷺ، وهذا الأصل من آكد الأصول في هذا الدين العظيم، يقول ابن تيمية (رحمه الله): «وهذا الأصل العظيم: وهو الإسلام، ومما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي ﷺ، في مواطن عامة وخاصة».
ولذلك أمر الله تعالى ورسوله ﷺ بكل ما يحفظ على المسلمين جماعتهم وألفتهم، ونهيا عن كل ما يعكر صفو هذا الأمر العظيم، وإن ما حصل من فرقة بين المسلمين وتدابر وتقاطع وتناحر، بسبب عدم مراعاة هذا الأصل وضوابطه، مما ترتب عليه تفرق في الصفوف، وضعف في الاتحاد، وأصبحوا شيعاًوأحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون. (فقه النصر والتمكين، د. علي الصلابي، ص308)
وهذا الأمر وإن كان مما قدره الله عز وجل كوناً، ووقع كما قدر،إلا أنه –سبحانه- لم يأمر به شرعاً، فوحدة المسلمين واجتماعهم مطلب شرعي، ومقصد عظيم من مقاصد الشريعة، بل هو من أهم أسباب التمكين لدين الله تعالى، ونحن مأمورون بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
فلابد من تضافر الجهود بين الدعاة وقادة الحركات الإسلامية وبين علماء المسلمين وطلبة العلم لإصلاح ذات البين إصلاحاًحقيقياً لا تلفيقيًّا، لأن أنصاف الحلول تفسد أكثر مما تصلح.قال الشيخ السعدي – رحمه الله -: «الجهاد نوعان: جهاد يقصد به صلاح المسلمين، وإصلاحهم في عقائدهم وأخلاقهم وآدابهم، وجميع شئونهم الدينية والدنيوية، وفي تربيتهم العلمية،وهذا النوع هو الجهاد وقوامه، وعليه يتأسس النوع الثاني، وهو جهاد يقصد به دفع المعتدين على الإسلام والمسلمين من الكفار والمنافقين والملحدين وجميع أعداء الدين ومقاومتهم، وهذا نوعان: جهاد بالحجة والبرهان واللسان، وجهاد بالسلاح المناسب في كل وقت وزمان».
ثم أفرد فصلاً بعنوان “الجهاد المتعلق بالمسلمين بقيام الألفة واتفاق الكلمة“، وبعد أن ذكر الآيات والأحاديث الدالة على وجوب تعاون المسلمين ووحدتهم قال: «فإن من أعظم الجهاد السعي في تحقيق هذا الأصل في تأليف قلوب المسلمين واجتماعهم على دينهم ومصالحهم الدينية والدنيوية».
ولذلك نرى أن الأخذ بالأسباب نحو تأليف قلوب المسلمين وتوحيد صفهم من أعظم الجهاد، لأن هذه الخطوة مهمة جداًفي إعزاز المسلمين وإقامة دولتهم وتحكيم شرع ربهم. (وجوب التعاون بين المسلمين، عبد الرحمن السعدي، ص5)
المراجع: