مقالاتمقالات الرأي

من مبادرة السلام إلى جيل التطبيع

فرج كُندي

عندما كان الرئيس أنور السادات في زيارة للولايات المتحدة الأمريكية في العام الذي أعلن فيه مبادرته للسلام,, كانت الزيارة قبل إعلانه المبادرة,, التي تعتبر غير مسبوقة في التاريخ.

يقول: الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه حديث المبادرة.

تحدث معه – السادات – المسؤولون الأمريكيون أثناء زيارته لأمريكا عن تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، فكان رده: إن ذلك شيء لن نراه في جيلنا. ربما تحقق في أجيال لاحقة وكان في ذلك على حق؛ وكان السادات أقصى ما أبدى الاستعداد له هو إنهاء الحرب في مقابل الانسحاب “الإسرائيلي” من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب يونيو 1967 وقيام الدولة الفلسطينية.

وفي خطاب أمام مجلس الشعب المصري بدون مقدمات وشكل مفاجئ للجميع أعلن الرئيس أنور السادات في 9 نوفمبر 1977، مبادرة مصرية لإحلال السلام في المنطقة وحددها بخطوات ثلاث:

1- إن مصر تعتبر نفسها ملتزمة بمسؤولية واحدة لا بديل لها وهي تحرير جميع الأرض المحتلة في عام 1967.

2- إن مصر مع هذا الالتزام الأكبر والأول، تقبل النداء الذي وجهه أخيرًا “يوثانت” السكرتير العام للأمم المتحدة وتقرر الامتناع عن إطلاق النار لفترة لا تستطيع أن تجعلها تزيد على ثلاثين يومًا، تنتهي يوم 6 أبريل.

 

3- إن مصر تضيف إلى كل الجهود من أجل السلام، مبادرة مصرية جديدة تعتبر العمل بمقتضاها مقياساً جديداً للرغبة في تنفيذ قرار مجلس الأمن وتحرير جميع الأراضي المحتلة في عام 1967.

رحب العدو الصهيوني بالمبادرة غير المسبوقة وغير المتوقعة مع وضع شرطين أساسيين جاءا على لسان رئيس وزراء الكيان الصهيوني “موشيه دايان” ومازال العدو متمسكًا بهما ولم يتخلَّ عنهما منذ ذلك التاريخ إلى اليوم.

الأول: أن “إسرائيل لن تسمح بقيام دولة فلسطين.

الثاني: أن “إسرائيل” لا تقبل بمبدأ الانسحاب إلى خطوط ما قبل 5 يونيو 1967.

ورغم شروط “ديان” التي رفض فيهما المبادرة “الساداتية” ونقضها من أساسها. إلا أن السادات بدأ رحلته الشهيرة فى 19 نوفمبر 1977 التي تضمنت زيارة القدس وأداء صلاة عيد الأضحى في المسجد الأقصى.

وأمام الكنيست – في اجتماع خاص – ألقى السادات خطابه الذي ضمنه المبادئ الخمسة للتسوية السلمية للنزاع، وهي ما يلى:

1- إنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” للأرض العربية بعد يونيو 1967.

2- الاعتراف بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير بما فيه حقه في إقامة دولته الخاصة.

3- حق كل دول المنطقة في العيش في سلام داخل حدودهم الآمنة التي تؤمنها ضمانات تتم عن طريق إجراءات يتفق عليها بالإضافة إلى الضمانات الدولية المناسبة.

4- التزام جميع الدول في المنطقة بإدارة علاقاتهم فيما بينهم بما يتماشى مع أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وخاصة المبادئ التي تتعلق بعدم اللجوء إلى القوة وحل الخلافات فيما بينهم بالطرق السلمية.

5- إنهاء حالة الحرب في المنطقة

ولكن السادات قبل شروط “ديان” المسبقة لقبول عملية السلام ومضي في توقيع اتفاقية السلام المنقوص الذي ربما كان أهم أسباب تعرضه للاغتيال في حادث المنصة المشهور في أكتوبر 1981م.

 

مرحلة التطبيع

 

كان الرئيس السادات مدركًا تمام الإدراك أن التطبيع مع العدو الصهيوني في تلك المرحلة مستحيل ولا يمكن قبوله شعبيا، وهو يحتاج إلى وقت وتمهيد وبذلك كان رده على طلب الساسة الأمريكيين،

فالتطبيع مع الكيان الصهيوني، هو بناء علاقات رسمية وغير رسمية، سياسية واقتصادية وثقافية وعلمية واستخباراتية مع الكيان، والتطبيع هو تسليم للكيان الصهيوني بحقه في الأرض العربية التي اغتصبها في نكسة 1948م، وبحقه في بناء المستوطنات وحقه في تهجير الفلسطينيين أصحاب الأرض, وحقه في تدمير القرى والمدن العربية، وهكذا يكون التطبيع هو الاستسلام والرضا بأبشع مراتب المذلة والهوان والتنازل عن الكرامة وعن الحقوق الطبيعية لشعب اغتصبت أرضه وشرد في مشارق الأرض ومغاربها.

ويُراد بالتطبيع إقامة علاقات طبيعية مع قطعان الصهاينة في الجوانب المختلفة دون استثناء؛ فهناك تطبيع سياسيّ، وتطبيع اقتصادي، وتطبيع دبلوماسي وتعاون أمني وغير ذلك من أنواع التعاون والتنسيق.

وكل هذه الجوانب مرفوضة لا تحتاج إلى اجتهاد كبير، فهي واضحة جلية، فالتطبيع مع الظالم ظلم، لأنه إقرار له على ظلمه ومعاونته عليه، وهذا منصوص عليه في مواضع كثيرة: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ﴾(الممتحنة: الآية 1). وقال أيضاً: ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ ﴾(القصص:17).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من مشى مع ظالم ليعينه على ظلمه، وهو يعلم أنه ظالم، فقد خرج من الإسلام)) الطبراني. وقال: ((من أعان على خصومة بظلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع)) ابن ماجه. وقال: ((إذا رأيتَ أمتي تهابُ الظالم أن تقول له أنت ظالم، فقد تُوُدِّع منهم)).

فالنصوص القرآنية والأحاديث النبوية الجلية متوافرة متضافرة، تدل بمجموعها على عدم جواز إقرار الظالم على ظلمه، وهذا في الحقيقة موقف العقل والنقل، يعرفه التشريع الدولي ويقره ولا يعمل به، وهذا ما نص عليه الإسلام وشريعته ودعت إليه.

ومما لاشك فيه من المنطلق الإنساني أو من منطلق الشرع الإسلامي القائم على العدل لا يشك عاقل منصف في تحريم التطبيع مع الكيان “الإسرائيلي” المغتصب للأرض العربية. التي اغتصبها منذ سنة 1949م.

لقد صدقت نبوءة أو قراءة السادات حول التطبيع التي أكدت أنه لن يحدث في زمانه، ولن يستطيع أن يبادر أو يدعو إليه أحد في هذا الجيل (جيل السبعينيات) لأن الأمة العربية والإسلامية لن تقبل التطبيع مع الكيان الغاصب من الناحية الشرعية لأنها تؤمن بحرمة هذا الفعل المشين.

ولكنه لم يجزم باستحالة فعله من جيل ساسة عرب ومسلمين غير موجودين في عصره في المشهد السياسي، ويبدو أن قيادات العدو التقطت الخيط من السادات وباشرت العمل على صناعة جيل من الساسة يؤهل تحت عينها وبرعايتها للقبول بالتطبيع والتوطيد له، بل يكون التطبيع حجر أساس لوصولهم للحكم واستمرارهم فيه.

وفعلا أصبح التطبيع مع الكيان الصهيوني مسألة أمن للعروش مع رفض شعبي واسع لا يقبل بوجود الكيان الغاصب من حيث الأصل فكيف يرضى معه التطبيع؟! فالتعويل على مقاومة الشعوب العربية والإسلامية للوقوف في وجه التطبيع ورفضه ومقاومته بكافة الوسائل المتاحة لمنع تمرير هذه الجريمة في حق الأمة والعقيدة والشريعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى