اجتماعيةعامقضايامقالاتمقالات فكرية

نظام التفاهة

 

الفيلسوف الكندي: ألان دونو

التسطيح والتسخيف ( المعلم الثوري )

الحقيقة هي أن كل ما حولنا يشي بتسطيح الهام وتسخيف المٌعتبر، من خلال الاستخدام المبالغ فيه للغة والخطاب الساذجين بدعوى التبسيط .

والحقيقة هي أن هذا التبسيط، إن بولغ فيه يمكن أن يصل إلى درجة لا يُرتجى منها التطور العقلي المجتمعي الصحي، بل يصير مهدداً له ( أٌثر عن أينشتاين قوله: وكل شيء ينبغي أن يكون في أبسط أشكاله ، ولكن يجب أن لا يكون أبسط مما هو عليه.

كما يتعلق الأمر بخرافة التبسيط العلمي في مجال التخصص. ففي المجال البيداغوجي – علم أصول التدريس – قد لا تكون جريمة أكثر فداحة من جريمة التبسيط العلمي الساذج، الذي ينزل بالمعرفة إلي مستوي قدرات غير العارف، عوضا عن أن يرفع قدرات الأخير بما يليق بمستوى المعرفة التي كان ينبغي نقله إليها ولقد روي لنا ” بتراند رسل” أنه عندما طلب ملك مصر إلى إقليدس أن يعلمه الهندسة في دروس قليلة سهلة

، كان الرد الشهير الذي أجابه به هو أنه ( لا يوجد طريق ملكي إلي الرياضيات ) .

وللتقرب ولأغراض النقاش فقط، لنستخدم المصطلح السوسيولوجي الدارج، ولنقل إن التعليم هو مجال طبقي- معرفياً – بطبيعته؛ شريحتاه هما الأرستقراطيون طبقة عليا/ شهادات عليا )  والبروليتاريا ( طبقة دنيا/ شهادات دنيا) وأبرز الفاعلين في الشريحة الارستقراطية معرفياً هم المعلمون ، وهم  كٌُثٌُر، إلا أن  ؛ الحقيقيين؛ من المعلمين هم أشخاص ديمقراطيون بطبيعتهم أكثر من ذلك ، فالمعلم  الحقيقي هو ثوري ، لا يحتمل الفروق الطبقية المعرفية، فيسعى لتحطيمها بكل ما أوتى من قوة.

ابتداء يقف المعلم على ربوة عالية، يشرف منها على معارف كثيرة، تتاح له وحده بسبب امتياز وضعه (العلمي الارستقراطي) دون طلبته.

ولأنه كمعلم حقيقي ثوري، فهو عوضاً عن أن يريح نفسه بأن يبقي طلبته – البلوريتاريا معرفيا- في مكانهم بالأسفل؛ فيكتفي بأن يصف لهم ما يراه هو من موقعه العالي على تلك الربوة (بدعوى تبسيط المعارف) فإن دوره الحقيقي هو أن يتجاوز انانيته المريحة ؛ فينبذ مسوح الارستقراطي؛ بأن يشمّر عن أكمامه، ثم يمد كلتا يديه لطلبته حتى يساعدهم جميعاً علي تسلق تلك الربوة العالية، واحداً تلو الآخر فيروا بأعينهم المنظر البانورامي المعرفي الجميل الذي كان يراه وحده.

إن مواجهة العقبات المعرفية بحجمها الطبيعي، لا ذاك المُختزل بدعوى التبسيط.

وعندما يساعد المعلم الحقيقي جميع طلبته على ارتقاء تلك الربوة المعرفية فإنه سيتعامل مع حمل ثقيل؛ سيؤلمه ساعده، وستغرز قدماه بالوحل، كما سينتهي به الأمر بأن يقف طلبته إلى جانبه تماماً؛ على ذات الأرضية العالية التي كان ينفرد بميزة الوقوف عليها وحده دوناً عنهم.

وبذلك فإنه سوف يحيل طلبته من بروليتاريا خاضعة إلي ارستقراطية متطلّبة، تتكون في مجموعها من نظراء له، يناقشونه ويتعبونه؛ بل قد يتفوقون عليه معرفياً.

ومع ذلك فإن المعلم الحقيقي يُدرك أنه الفائز دائماً مهما تجاوزوه طلبته. بالمنظور المثالي المعلن، وعلى المدى القصير؛ لقد انتصرت ثورته وحققت أهدافها.

أما بالمنظور النرجسي السري، وعلى المدى الطويل؛ فهو يدرك تماماً أن الناتج الحقيقي لجهده هو تحويل طلبته منه (أنداد – إلى – امتداد) سيعيش إلى الأبد هذا المعلم الثوري.

 

  • عن كتاب:
  • نظام التفاهة
  • ألان دونو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى