اجتماعيةمقالاتمقالات فكرية

نظرات في موضوع التغيير

نظرات في موضوع التغيير

د. يونس ملال
من سنوات عديدة كنت فكرت في موضوع التغيير الاجتماعي والحضاري .. وقد بحثت كثيرا في النصوص والأدبيات
الشرعية فلم أظفر بإجابة صريحة .. بعضها يشير إلى فساد الراعي وبعضها يشير إلى فساد الرعية، فعلمت بأن في الموضوع أكثر من إجابة..!!
ففي أدبياتنا الإسلامية: من جهة “إنما هي أعمالكم ترد عليكم كما تكونون يولى عليكم”، وقد وجد الحسن البصري قوما في المسجد يدعون على الحجاج فقال: لا تفعلوا إنكم من أنفسكم أوتيتم إني أخاف إن عزل الحجاج أو قتل أن يتولى عليكم القردة والخنازير”..!! ومن جهة أخرى فـ “الناس على دين ملوكهم” و”اثنان إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء”..!! فهل التغيير إذن: يبدأ من تحت أم من فوق؟!
وكنت كتبت مقالا علميا تبين لي فيه بأن التغيير لا يبدأ من فوق ولا من تحت.. بل من الوسط..!! ..
فالناس لا بد أن يمارسوا حياتهم إما عن هدى أو عن ضلال مبين.. والحكام يجب أن يحكموا شعوبهم إما بالعدالة أو الاستبداد .. ولكن السؤال العلمي هو: من الذي يوجه الشعوب إلى طريق الاستقامة والتنمية؟! ومن الذي يوجه الحكام إلى طريق الحكم العادل الرشيد؟!
تبين لي أن هناك حلقة وسطى لها دور مزدوج .. هذه الحلقة هي ما نسميه اليوم بالطبقة المثقفة أو (الأنتليجنسيا). . ودور المثقف – حين يؤدي دوره – هو دور مزدوج: فهو الذي يصنع الرؤية الأيديولوجية والبرنامج الإستراتيجي لنظام الحكم وقيمه، وهذا دوره تجاه الحاكم ..!!
وهو الذي يصنع الوعي الاجتماعي والتعليمي والتربوي .. وهذا دوره تجاه المحكومين .. مما جعلني أقرر أن مستقبل أي أمة رهين بنخبتها المثقفة ..!!
لكن أحيانا يعتريني الشك جزئيا فيما خلصت إليه في هذا الموضوع ..!!
فحين أستعرض بعض التجارب الناجحة في عالمنا المعاصر أرى أن القيادة الحكيمة الرشيدة يتعدى أثرها مجال السياسة إلى مجال النفس والاجتماع والقيم .. بل ويتعدى أثرها الرعية إلى النخبة نفسها..!!
فالدولة التي أراد الله بها خيرا رزقها قيادة رشيدة فانقلبت أوضاعها رأسا على عقب .. والعكس بالعكس..!!
والتفسير الاجتماعي لهذه الظاهرة هو أن في كل دولة وفي كل شعب وفي كل نخبة طيبين وأشرارًا وجمهرة غفيرة من الناس “البين بين” .. فإذا وهب الله دولة أو أمة قيادة رشيدة .. تقوى أهل الخير وتعززت مواقعهم وعلت أصواتهم وبالتالي يميل إليهم أكثر أولئك “البين بين” فيخنس الأشرار والخونة ويحاصرون ويعجزون.. فلا تلبث عجلة التغيير أن تنطلق بسلاسة..!!
وبالعكس إذا تسلط على الناس من هو شديد اليد، خفيف العقل، عديم الرشد، قليل الشرف.. فإن الشر ستنبت له قرون والخيرون من الناس والعلماء يحاصرون ويعجزون .. ويتوقف الزمن، لا بل يرجع بالناس القهقرى..!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى