مقالاتمقالات تربوية

هاجر في بلاد الحجاز… قصة الصفا والمروة ونبع ماء زمزم

 

 

د. علي محمد الصلابي

 

 

تكلمنا في مقال سابق عن قصة لقاء إبراهيم (عليه السلام) بهاجر، والتعارف بين هاجر وسارة، وكيف تأثرت عليها السلام بسيدها ومولاتها تأثراً نتج عنه إيمانا عميقاً مع إخلاص لله عز وجل، وكيف كانت علاقتها بالله عز وجل وتكلمنا عن شيء من تنسّكها له سبحانه، ثم ختمنا بتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي شاعت بين بعض الناس من أن علاقة سارة وهاجر كان يشوبها البغض والحسد، وبينّا أن سارة فوق كل هذا الأمر، فسارة تقيّة نقيّة عابدة نشأت في كنف خليل الرّحمن نشأة الصفاء، وصُنعت على عينه، وتعلّمت شيئاً كثيراً من مكارمه وفضائله.

وفي هذه المقال أتكلم عن هاجر وبعض التفاصيل لها في بلاد الحجاز، وقصتها الشهيرة مع إسماعيل عليه السلام بين الصفا والمروة وقصة نبع ماء زمزم:

هاجر وإسماعيل في بلاد الحجاز:

توجه إبراهيم – عليه السّلام – بهاجر وإسماعيل ووضعهما في بلاد الحجاز في وادٍ غير ذي زرع، تنفيذاً لأمر الله، ولما غادرهما توجه إلى الله ودعا دعاءً خاشعاً منيباً، كما سيأتي في حديث البخاري المطوّل، والراجح أن البيت الحرام لم يكن قد بُني عندما وضع إبراهيم هاجر وإسماعيل في تلك البقعة، وأن البلد لم يكن قد وُجد -كما سنبحث هذا فيما بعد إن شاء الله- وعرف أنه سيكون في تلك البلد الحرام وبيته المُعظم الكعبة المشرّفة، وذلك عن طريق الوحي من الله تعالى.

جاءت تفاصيل وضع هاجر وإسماعيل – عليهما السّلام – في ذلك الوادي في حديث صحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقد روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أول ما اتّخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل، اتّخذت منطقاً لتعفي أثرها عن سارة، ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل – وهي ترضعه-  حتى وضعها عند البيت عند دوحة فوق زمزم، في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء.

وضع هاجر وإسماعيل والبحث عن مغيث:

لقد وضعها هناك ووضع عندها جراباً من تمر، وسقاء فيه ماء ثم قضى إبراهيم منطلقاً فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنسٌ ولا شيء؟ وقالت له ذلك مراراً، وجعل لا يلتفت إليها، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يُضيّعنا، ثم رجعت، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثّنيّة، حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.

وجعلت أم إسماعيل تُرضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت، وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوّى، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فَهَبَطَتْ من الصفا حتى إذا بلغت الوادي، رفعت طَرَفَ دِرْعِهَا، ثم سعَت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها، فنظرت هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات. قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فلذلك سعى الناس بينهما»، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتاً، فقالت: صَهْ – تريد نفسها- ثم تَسَمَّعَتْ، فسمعت أيضاً، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غَوَاث. (الخالدي، القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، ج1/ص388).

الملك ونبع ماء زمزم ومجيء جُرْهم:

فإذا هي بالملك عند موضع زمزم، فبحث بعقبه – أو بجناحه- حتى ظهر الماء، فجعلت تحوطه بيدها هكذا، وجعلت تغرف من الماء في سقائها، وهو يغور بعدما تغرف، قال ابن عباس: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: يرحم الله أن إسماعيل، لو تركت زمزم – أو لو لم تغرف في الماء – لكانت زمزم عيناً مَعيناً، فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها المَلك: لا تخافوا الضيعة، فإن ههنا بيت الله، يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإن الله لا يُضيع أهله.

وكان البيت مرتفعاً من الأرض كالرابية تأتيه السيول، فتأخذ عن يمينه وشماله، فكانت كذلك حتى مرّت بهم رفقة من جُرْهم، مقبلين من طريق “كداء”، فنزلوا في أسفل مكة، فرأوا طائراً عائقا، فقالوا: إنّ هذا الطائر ليدور على ماء، وعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جَرِيًّا أو جَرِيَّين فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا وأمّ إسماعيل عند الماء، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك، قالت: نعم. ولكن لا حقّ لكم بالماء، قالوا: نعم، فقال ابن عباس: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: فألقى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأُنس، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى كان بها أهل أبيات منهم، وشبّ الغلام وتعلم العربية منهم، وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ، فلما أدرك زوّجوه امرأة منهم، وماتت أم إسماعيل. (الخالدي، القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، ج1/ص390).

 

ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: “إبراهيم – عليه السلام – أبو الأنبياء والمرسلين”، للدكتور علي محمد الصلابي، واعتمد في كثير من معلوماته على كتاب: ” القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث”، للدكتور صلاح الخالدي.

المراجع:

  • إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء والمرسلين، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2020م.
  • الحياة الزوجية في القرآن الكريم، عبد الفتاح أحمد الخطيب، دار اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 1425هـ، 2004م، ص220.
  • القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، دار القلم، دمشق – الدار الشامية، بيروت، ط1، 1419ه، 1998م.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى