هل الدعوة إلى الله منوطة بالعلماء والدعاة والوعّاظ فقط؟
فرحات الهوني
الجميع يعلم أنها من أشرف وأعظم ما كلف به المسلم، وهي وظيفة الرسل والأنبياء الذين اصطفاهم الله بتبليغ رسالته، وأنعم بها من مهمة.
قال تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، فلا يظن المسلم أن الدعوة إلى الله تحتاج إلى كثرة علم من أمهات الكتب، وتضلع في فقه الكتاب والسنة، وهذا في تقديري، سوء فهم في المنهج الدعوي الذي وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في الحديث الصحيح: “بلغوا عني ولو آية”.
إذا المكلف بتبليغه هو ما تحمله من علم ولو قليل فالقليل بإخلاص يبارك الله فيه.
يقول الشيخ محمد بن إبراهيم التويجري في كتابه مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة:
“الله عز وجل اختار هذه الأمة واجتباها من بين سائر الأمم، وكَرَّمها وشَرَّفها بهذا الدين والدعوة إليه، فالدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم ومسلمة، كل حسب قدرته وعلمه، والدعوة إلى الله مسؤولية الأمة، وحاجة الأمة.
1- قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
وهذا النص عام، مطلق في الزمان: ليلاً ونهاراً.. ومطلق في المكان: شمالاً وجنوباً.. وشرقاً وغرباً.. ومطلق في الجنس: العرب والعجم.. ومطلق في النوع: الرجال، والنساء.. ومطلق في السن: الكبار والصغار.. ومطلق في اللون: الأبيض والأسود.. ومطلق في الطبقات: السادة والعبيد.. والأغنياء والفقراء، فالدعوة لهؤلاء واجبة، لأنهم من الناس، وهذا الدين لكل الناس.. والدعوة لهم إذا أسلموا واجبة؛ لأنهم من أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- وأتباعه”.
ولكن المهم هي البصيرة بما تدعو قال تعالى: “قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني”
أي هذه سبيل محمد رسول الله ومن تبعه يدعون إلى الله على فهم وعلم يراعون في دعوتهم الآتي:
– العلم لما يدعون إليه.
– التدرج مع المدعو وبداية هو جمع الناس على الحد الأدنى من الإسلام الذي يجعل من المسلمين مسلمين، كما في حديث الأعرابي الذي سأل الرسول عن قواعد الإسلام وقال عنه صلى الله عليه وسلم يفلح إن صدق.
– معرفة حال المدعو أقصد بالفروق الفردية والأولويات لكل شخص.
أمر الدعوة واجب على كل مسلم بما يعلم وتكون بإحدى الوسائل التالية:
✓ قولا (كلاما) كالتعليم والإرشاد والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
✓ أو فعلا (قدوة) بأن يراك أسوة حسنة في أفعالك وأخلاقك
✓ أو إقرارًا (تقر غيرك لفعل الخير) أن تقر غيرك يقوم بمقام الدعوة الناس للخير أو تشجع إنسانًا على عمل الخير أو ترك الشر.
يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي:
نرى الحسن البصري سيد التابعين رحمه الله يرصد نفسه في البصرة لبعث همم الناس وشرح معنى الإصلاح، فيتلو على أهل البصرة قول الله تعالى: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين)، ثم يقول: “هو المؤمن أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحاً في إجابته، فهذا حبيب الله، وهذا ولي الله)
لا غيره ممن يعتزل ويجمد. ويكون مستورا. وحين نقل ابن القيم كلام الحسن هذا عقب فقال: “فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد”.
ويقول أيضا: “ولذلك وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة العصر بأنها تعدل ثلث القرآن، كلمتان فحسب، لأنهما بينتا وجوب الدعوة، وكانتـا ثلث القرآن.
فكل واحد في خسر، ( إلا من كمّل قوته العلمية بالإيمان بالله، وقوته العملية بالعمل بطاعته، فهذا كماله في نفسه، ثم كمل غيره بوصيته له بذلك، وأمره إياه به، وبملاك ذلك كله. وهو الصبر . فكمل نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح، وكمل غيره بتعليمه إياه ذلك، ووصيته بالصبر عليه. ولهذا قـال الشافعي رحمه الله: (لو فكر الناس في سورة العصر لكفتهم)
ولما لم يكن هناك بعد رسول الله رسول، وجب على أمته حمل دعوته من بعده والقيام بتبليغها للخلق أجمعين، وكان لابد لهذه الأمة أن تقوم بهذه المهمة ـ ضرورة لا اختيارا ـ وأن يكون منها من يقوم بهذا الواجب الكفائي وإلا أثم المسلمون بأكملهم، وحوسبوا على التقصير في أداء الواجب المنوط بهم كأمة ختم الله بها الأمم.
ومن ثَمَّ كان واجبا على كل مسلم بقدر طاقته أن يتحمل من هذا الواجب ما يقدر عليه؛ كما أمره الله تعالى وأمره رسوله صلى الله عليه وسلم فقال :”بلغوا عني ولو آية”.
والدعوة إلى الله ليست تعقيدا ولا تكلفا بل بالنهج الذي وضحه لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وكما قالت السيدة عائشة بنت الصديق- رضي الله عنها- ما اختار رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ولا يدخل اليأس لقلبه من دعوة الناس، فرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قدوتنا بقي ثلاث عشرة سنة يدعو في مكة قبل هجرته، ولا يدخل إلى نفسه الإحباط من عدم استجابة الناس لدعوته، فهو يقوم بواجبه المنوط به من رب العالمين ويترك الهداية لله فهو سبحانه يهدي من يشاء.
يقول الأستاذ محمد أحمد الراشد في كتابه المنطلق: “ورغم الفساد، فإن الداعية المسلم لن يتخلى عن محاولـة انتشال العباد. وإن كل وساوس اليأس من الإصلاح لن تلبث أن تتبدد أمام لحظة انتباه إيماني تريه مكانته المتوسطة لموكب الإيمان السائر. أخذ السلف، ولا بد أن يسوق له قدر الله ليتسلّم الأمانة منهم خلف، ذلك وعد الله، وإنه لموكب لن ينقطع أبداً”
وخلاصة القول كما يقول صاحب كتاب “الدعوة قواعد وأصول”: “الشيخ جمعة أمين رحمه الله” (أن في زماننا هذا كل مكلف من المسلمين فهو مطالب بهذا الواجب، وليس هذا التبليغ مقصورا على العلماء ـ كما يفهم العامة من المسلمين ـ بل كل مسلم مطالب أن يبلغ ما فهمه وعلمه، وأما العلماء فهم يختصون ـ مع دعوتهم العامة ـ بجانب التبليغ التفصيلي والأحكام الشرعية والمعاني التي يحتاج إليها عامة المسلمين؛ نظرا لسعة علمهم بذلك ومعرفتهم بالجزئيات كما قال تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}.. فالدعوة كما رأينا ضرورة شرعية لا ينبغي أن يماري في ذلك مسلم”.