اجتماعيةعامقضايامقالات

هل نجحت الأمة في نقل معركتها عبر منصات التواصل الاجتماعي؟

أ.مصباح بوكرش الورفلي

يقف المتابع أمام الحراك الشعبي العالمي المتدفق إزاء العدوان على غزة ليدرك أن ثمة تحولا لافتا في الوعي العالمي، وأن للإعلام، ولا سيما الإعلام الرقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي، أثرا كبيرا في هذا التحول؛ فقد استطاعت مشاهد المأساة وصور الضحايا، بما تحمله من قوة إنسانية جارفة، أن تحرّك الضمير العالمي، وتدفع الملايين إلى النزول للميادين، وتبنّي مواقف تضامنية مساندة لأهل غزة.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل كان هذا النجاح نتيجة أداء إعلامي فلسطيني وعربي منظم استطاع أن يوصل المأساة ويؤطرها ضمن سردية متماسكة؟ أم أن وحشية العدوان الصهيوني ودمويته الفاضحة هي التي فجّرت كل هذا الحراك العالمي، وأجبرت الشعوب الحرة على التفاعل والتضامن؟

لطالما اعتدنا القول إننا إعلاميا متأخرون، لا نملك الأدوات الكافية للتأثير، وأن السردية الصهيونية تملك نفوذا قويا في المؤسسات الإعلامية الدولية، غير أن ما جرى في حرب غزة الأخيرة يعيد طرح هذه المسلّمة للتفكير والمراجعة؛ فقد نجح الإعلام الشعبي، عبر الناشطين والمؤثرين والصحفيين الميدانيين، في كسر احتكار الصورة، وتقديم رواية من قلب الميدان، مكّنت العالم من رؤية الحقيقة دون تزييف. إن الهاتف المحمول الذي يحمل صورة أو مقطعا قصيرا أصبح أقوى من منصات إعلامية عملاقة تُنفق عليها المليارات.

العالم اليوم يشهد تحوّلاً واضحا تجاه القضية الفلسطينية، وقد كان للإعلام الرقمي دور كبير في ذلك، إذ لم يعد المتلقي أسير ما تبثه وكالات الأنباء الرسمية، بل أصبح مشاركا في صناعة الرأي العام عبر إعادة النشر والمشاركة والتعليق والتفاعل. هذه الطبيعة التفاعلية جعلت القضية الفلسطينية قضية كل إنسان، وليست مجرد خبر عابر.

لكن، يبقى التحدي الأهم: هل نملك القدرة على استثمار هذا الزخم العالمي؟ وهل نستطيع أن نحوله من مجرد موجة تضامنية عاطفية إلى دعم إستراتيجي مستدام يخدم القضية الفلسطينية على المدى البعيد؟ إن المعركة القادمة ليست فقط في الميدان العسكري أو السياسي، بل في كيفية صياغة سردية فلسطينية متكاملة، قادرة على مواجهة السردية الصهيونية، وتثبيت حضورها في وعي الشعوب وصناع القرار على حد سواء.

من هنا، فإن نجاح الأمة لا يُقاس فقط بمدى إيصال صور الدمار والضحايا، بل بقدرتها على تحويل الإعلام إلى أداة لبناء رأي عام عالمي واعٍ، يربط بين القيم الإنسانية وبين العدالة للشعب الفلسطيني. وعليه، فإننا اليوم أمام لحظة مفصلية: إما أن نكتفي برد الفعل الآني على وحشية العدوان، وإما أن نؤسس لإستراتيجية إعلامية طويلة المدى تستثمر هذا الحراك الشعبي العالمي، وتبني عليه بطرق مهنية وسردية متينة، تجعل من القضية الفلسطينية رواية الإنسانية جمعاء.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى